للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دليل على جواز الدفاع عن الدين والنفس والمال والعرض، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لما جعل المدافع شهيداً، دل على أن له القتل والقتال.

وأما جواز الدفاع عن الغير: فأساسه الحفاظ على الحرمات مطلقاً من نفس أو مال، فلولا التعاون، لذهبت أموال الناس وأنفسهم؛ لأن قطاع الطرق مثلاً إذا انفردوا بأخذ مال إنسان لم يُعنه غيره، فإنهم يأخذون أموال الكل واحداً واحداً، وكذلك غيرهم. وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قيل: كيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم، فإن ذلك نصره» (١) وقال أيضاً: «من أذل عنده مؤمن، فلم ينصره، وهو يقدر على أن ينصره، أذله الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة» (٢) وفي حديث «إن المؤمنين يتعاونون على الفُتّان» (٣).

وحكم الدفاع الشرعي: هو الإباحة، فتكون أفعال الدفاع مباحة باتفاق الفقهاء (٤)، فلا مسؤولية على المدافع من الناحيتين المدنية والجنائية، إلا إذا تجاوز حدود المشروع، فيصبح عمله جريمة يسأل عنها مدنياً وجزائياً، وعليه القصاص. ولا يجوز للمدافع القتل إلا إذا ثبت ببينة أن الصائل لم يندفع إلا به، كأن يرى الشهود أن الصائل أقبل بسلاح مشهور على المدافع، فضربه هذا. ولا يقبل القول بمجرد ادعاء المدافع أنه قد هاجم منزله، فلم يمكنه دفعه إلا بالقتل، كما لا يقبل قول الشهود بأنهم رأوا الصائل داخلاً الدار ولم يذكروا سلاحاً. فإن لم يحضر أحد من الناس يقبل عند المالكية قول المدافع بيمينه (٥).


(١) رواه أحمد في مسنده والبخاري والترمذي عن أنس بن مالك.
(٢) رواه أحمد في مسنده عن سهل بن حنيف (نيل الأوطار: ٣٢٧/ ٥).
(٣) رواه أبو داود ولفظه «المؤمن أخو المؤمن يسعهما الماء والشجر، ويتعاونان على الفتان» أي الشيطان. وبضم الفاء: جمع.
(٤) المراجع السابقة في بدء هذا المطلب، نظرية الضرورة الشرعية للمؤلف: ص ١٤٠ - ١٤٢.
(٥) الشرح الكبير للدردير: ٣٥٧/ ٤، المغني: ٣٣٣/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>