ومن حلف بحق القرآن، لزمته عند الجمهور كفارة واحدة؛ لأن تكرر اليمين بالله سبحانه لا يوجب أكثر من كفارة واحدة، فالحلف بصفة من صفاته أولى أن تجزئه كفارة واحدة. ونص الإمام أحمد على أنه تلزمه بكل آية كفارة يمين، لما رواه الأثرم عن مجاهد من قوله صلّى الله عليه وسلم:«من حلف بسورة من القرآن، فعليه بكل آية كفارة يمين صبر، فمن شاء بر، ومن شاء فجر».
الحلف بحق الله: اتفق المالكية والحنابلة، والشافعية في الأصح على أن الحلف بحق الله يعتبر يميناً مكفَّرة؛ لأن الحق اسم من أسماء الله تعالى، أو أن المراد به صفة لله تعالى؛ لأن لله حقوقاً يستحقها لنفسه من البقاء والعظمة والجلال والعزة، فكان الحلف بذلك كقوله:(وقدرة الله)(١).
وأما مذهب الحنفية في الحلف بحق الله ففيه اختلاف: فقال أبو حنيفة ومحمد وفي رواية عن أبي يوسف: لا يكون يميناً؛ لأن حق الله يراد به طاعة الله ومفروضاته، وليست هذه صفة لله، إذ الطاعات حقوقه كما يتبادر إلى الفهم شرعاً وعرفاً، فيكون حلفاً بغير الله.
وقالوا: فلو قال (والحق) يكون يميناً بالاتفاق. ولو قال:(حقاً) لا يكون يميناً؛ لأن الحق من أسماء الله تعالى، قال سبحانه:{ويعلمون أن الله هو الحق المبين}[النور:٢٥/ ٢٤] فذكره معرفاً بأل ينصرف إلىه، والحلف به متعارف. أما إذا ذكر منكَّراً بدون أل فهو مصدر منصوب بفعل مقدر، فكأنه قال: أفعل هذا الفعل لا محالة، فيراد به تحقيق الوعد، فقوله (حقاً) بمنزلة قوله: (صدقاً) وليس في ذلك شيء من معنى الحلف.