التعاقد مع الآخرين وليد الحاجة إلى التعامل، والتعامل ضرورة اجتماعية قديمة ملازمة لنشوء المجتمعات، وتخطي مرحلة الانغلاق والانعزال التي كان يعيشها الإنسان البدائي، فأصبح لا غنى لكل إنسان لكونه مدنياً بالطبع من العيش المشترك مع الجماعة، لتأمين حاجياته، ولا يتم ذلك بدون التبادل والتعاون مع الآخرين. وللمبادلات صور متعددة، تخضع لما يعرف بنظرية العقد، التي تنظم حركة النشاط الاقتصادي، وتضبط أصول التعامل، وحرية التجارة، وتبادل الأعيان والمنافع، ولا تخلو الحياة اليومية لكل فرد من إبرام عقد من العقود، مما يجعل مسيرة الحياة مترعة بالعقود.
فتكون نظرية العقد: هي البناء الشرعي الذي يقوم عليه نظام التعاقد.
وقد وضع فقهاء الإسلام نظاماً على حدة لكل عقد معروف في عصرهم، ويمكن للباحث أن يستخلص نظرية عامة للعقد من جملة هذه الأنظمة، وبحوث الفقهاء حول تعريفات العقد، وأركانه وشروطه، وأحكامه التي قرروها لكل عقد. وبه يمكن الانتقال من الطابع الاستقرائي والتحليلي للقضايا الفردية الذي سار عليه فقهاؤنا إلى المنهج التركيبي أو النظريات العامة التي يسير عليها الآن فقهاء العصر الحديث في القانون وغيره.