للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الصاحبان والشافعية والحنابلة (١): يجوز تملك الأرض بالإحياء، وإن لم يأذن الإمام فيه، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق» (٢) فهذا الحديث أثبت الملك للمحيي من غير اشتراط إذن الإمام، ولأن إحياء الأرض مباح استولى عليه المحيي، فيملكه بدون إذن الإمام، كما لو أخذ إنسان صيداً أو حشَّ كلأ.

هل للبئر أو النهر في أرض الموات حريم (٣)؟ إذا حفر الرجل بئراً في برية أو حفر نهراً في أرض موات، فيعتبر الحفر إحياء للأرض، ولكن هل للبئر أو للنهر حريم؟

اتفق الفقهاء على أن للبئر والنهر حريماً لا يجوز للآخرين التعدي عليه بإحياء الأرض مثلاً فيه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل للبئر حريماً كما سيبين، إلا أنهم اختلفوا في مقدار حريم البئر. واتفق الحنفية على أن حريم العين خمس مئة ذراع من كل جانب، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «العين خمس مئة ذراع، وحريم بئر العطن أربعون ذراعاً» (٤).

وأما حريم البئر والنهر ففيه خلاف: قال الحنفية: حريم بئر العطَن (٥):


(١) مراجع الحنفية السابقة، مغني المحتاج: ٢ ص ٣٦١، المغني: ٥ ص ٥١٣ وما بعدها.
(٢) روي عن ثمانية: وهم عائشة وسعيد بن زيد، وجابر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وفضالة بن عبيد، ومروان بن الحكم، وعمرو بن عوف، وابن عباس، وحديث عائشة رواه البخاري وغيره (راجع نصب الراية: ٤ ص ٢٨٨، سبل السلام: ٣ ص ٨٣) قال هشام بن عروة في تفسير: «وليس لعرق ظالم حق»: الظالم: أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره، فيغرس فيها.
(٣) الحريم: الموضع المجاور حول النهر أو البئر الذي تجب حمايته.
(٤) قال الزيلعي عن هذا الحديث: غريب. ثم بين أول الحديث من زيادة الزهري (راجع نصب الراية: ٤ص ٢٩٢).
(٥) بئر العطن بتحريك العين والطاء: هي التي ينزح منها الماء باليد. والعطن: موطن الإبل ومبركها، أو مناخها حول الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>