للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - السفر بالوديعة: قال أبو حنيفة: للوديع أن يسافر بالوديعة إذا كان الطريق آمناً، ولم ينهه صاحب الوديعة، بأن كان العقد مطلقاً؛ لأن الأمر بحفظ الوديعة صدر مطلقاً عن تعيين المكان، فلا يجوز التعيين إلا بدليل، وعلى هذا فلو سافر فتلفت الوديعة لا يضمن.

وقال الصاحبان: إن كان للوديعة حمل ومؤنة، لا يملك المسافرة بها؛ لأن في المسافرة بما له حمل ومؤنة ضرراً بالمالك، لجواز أن يموت الوديع في السفر، فيحتاج المالك إلى الاسترداد من موضع

يكلفه حِمْلاً ومؤنة عظيمة، فيتضرر به، بخلاف ما إذا لم يكن لها حمل ومؤنة (١).

وقال المالكية: ليس للوديع أن يسافر بالوديعة، إلا أن تعطى له في سفر، فإذا أراد السفر، فله إيداعها عند ثقة مؤتمن من أهل البلد، ولا ضمان عليه، سواء قدر على دفعها إلى الحاكم، أو لم يقدر (٢).

وقال الشافعية والحنابلة: ليس للوديع المسافرة بالوديعة، فإن أراد السفر ردها إلى صاحبها أو وكيله إن قدر على الرد، فإن لم يقدر، كأن لم يجد صاحبها سلمها إلى الحاكم؛ لأنه متبرع بإمساكها، فلا يلزمه استدامته، والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته، فإن سافر بها ضمن؛ لأنه عرضها للضياع، والحرز في السفر دون حرز الحضر، سواء أكان الطريق آمناً أم مخوفاً (٣)، وقال عليه الصلاة والسلام «إن المسافر وماله لعلى قَلَت إلا ما وقى الله» أي على خطر الهلاك (٤).


(١) البدائع: ٢٠٩/ ٦، تكملة فتح القدير: ٩٣/ ٧، حاشية ابن عابدين: ٥٢١/ ٤، المبسوط: ١٢٢/ ١١، مجمع الضمانات: ص ٦٩.
(٢) بداية المجتهد: ٣٠٧/ ٢، حاشية الدسوقي: ٤٢١/ ٣، ٤٢٣.
(٣) مغني المحتاج: ٨٢/ ٣ ومابعدها، المهذب: ٣٦١/ ١، القاموس المحيط: ١٨٣/ ١.
(٤) رواه السلفي في أخبار أبي العلاء المعري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لو علم الناس رحمة الله بالمسافر، لأصبح الناس وهم على سفر، إن المسافر ورحله على قلت إلا ما وقى الله» قال الخليل: والقلت: الهلاك. قال ابن حجر: وكذا أسنده أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من هذا الوجه من غير طريق المعري. وكذا ذكره القاضي النهرواني في كتاب الجليس والأنيس بعد أن ذكره مرفوعاً عن النبي صلّى الله عليه وسلم، لكنه لم يسق له إسناداً. وقد أنكره النووي في شرح المهذب، فقال: ليس هذا خبراً عن النبي صلّى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام بعض السلف، قيل: إنه علي بن أبي طالب (راجع التلخيص الحبير: ص ٢٧١، كشف الخفا للعجلوني: ص ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>