وأما الحكم ببطلان وضوء الناسي، وضمان المتلفات من المجنون والصبي ونحوهما، وضمان الدية بقتل النفس أو قطع عضو، أو إزالة معنى من المعاني كالسمع والبصر والبطش والحركة إذا وقع ذلك خطأ أو شبه عمد، مع عدم نية القتل أو القطع، فهو ليس من باب التكليف الشرعي بشيء بل من باب الحكم الوضعي، أي جعل الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً أو صحيحاً أو فاسداً أو عزيمة أو رخصة، أي أن الإتلاف مثلاً سبب موجب للتعويض أو للضمان مطلقاً، سواء صدر من صغير أو كبير، من عاقل أو مجنون.
ويلاحظ أن المراد بالنية في الصيام هو العزم أو الإرادة الكلية وهو المعنى العام للنية، أي أن الصيام يصح بتبييت النية من الليل، دون اشتراط مقارنتها لبدء الصوم وهوطلوع الفجر، فلو نوى ثم أكل، وصام، صح صومه، أما غير الصيام من العبادات التي تتطلب لصحتها مقارنة النية ببدء الفعل فلابد فيها من القصد تحقيقاً: وهو الإرادة المتعلقة ببدء الفعل، فالنية المعتبرة فيه هي القصد تحقيقاً، أي النية المقترنة ببدء تنفيذ الفعل، وهو المراد بالنية عند عدّها لدى الشافعية من أركان العبادة، كالوضوء والغسل والتيمم والصلاة والزكاة والحج، ومثلها كنايات العقود والفسوخ، فلابد فيها من القصد تحقيقاً الذي هو النية المقارنة للفظ الكنائي أو الكتابة وإشارة الأخرس التي يفهمها الفطن، وكذا الاستثناء في الأقارير (الإقرارات) والطلاق، والتعليق في الطلاق بكلمة (إن شاء الله) فلابد فيها من النية بمعنى القصد تحقيقاً قبل الفراغ من المستثنى منه، أي اقتران النية بالكلام المتصل ببعضه.
وخلاصة الكلام في بيان حقيقة النية تظهر فيما يأتي: قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: اعلم أن النية في اللغة نوع من القصد والإرادة، وإن كان قد فرق بين هذه الألفاظ بما ليس هذا موضع ذكره. والنية في كلام العلماء تقع بمعنيين: