وقد أدى تطبيق القوانين الوضعية في البلاد الإسلامية إلى إضعاف الوازع الديني، وانحسار هيمنة الدين ورقابة الإله في السر والعلن على تصرفات الناس، وغياب ميزان التقوى في كسب الحقوق والتنازل عنها، مما أفقد الاهتمام بالنية. ولكن بروز مثل هذه الظاهرة المرضية في مجتمعاتنا لا يثنينا عن ضرورة التذكير المستمر برصيد الإسلام وقيمه وأحكامه؛ لأنه النظام الأمثل والأخلد والأصلح للبشرية لتصحيح مسيرة الناس، وتجاوز الانحرافات والأخطاء، ولأنه الأساس الذي يحاسب عليه الإنسان في الضمير العام بين البشر، ولدى أحكم الحاكمين في الدار الآخرة.
ومن أهم مقومات الرصيد الإسلامي في نطاق الأحكام الشرعية التي يلزم بها المكلفون: النية الصحيحة، فهي معيار لتصحيح الأعمال، فحيث صلحت النية، صلح العمل، وحيث فسدت فسد العمل. ولا تصير أعمال المكلفين المؤمنين معتبرة شرعاً، ولا يترتب الثواب على فعلها إلا بالنية. وقد اعتبر حديث عمر رضي الله عنه المشهور وهو «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ مانوى» أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، فهو أحد أصول الدين، وعليه تدور غالب أحكامه، وهو نصف الإسلام، قال أبو داود:«إن هذا الحديث نصف الإسلام؛ لأن الدين إما ظاهر وهو العمل، أو باطن وهو النية» وهو أيضاً ثلث العلم، قال الإمام الشافعي وأحمد رحمهما الله: يدخل في حديث (الأعمال بالنيات) ثلث العلم، قال البيهقي وغيره. وسبب ذلك أن كسب العبد يكون بقلبه، ولسانه، وجوارحه، والنية أحد أقسامه الثلاثة. وروي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال: يدخل هذا الحديث في سبعين باباً من الفقه. ولذا استحب العلماء أن تستفتح به الكتب والمصنفات، ليكون ذلك منبِّهاً طالب العلم أن يصحح نيته لوجه الله تعالى في طلب العلم وعمل الخير ونفع نفسه وأمته وبلاده. وبناء عليه قال العلماء:«إن قاعدة: الأمور بمقاصدها ثلث العلم».