للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يكتب لها العزة والكرامة والهيبة إلا بجسور من الضحايا في سبيل تحقيق غاياتها، ودماء تضرج من أجل كرامتها ووجودها.

لهذا كتب الله الحياة والخلود للشهداء، وغفر للشهيد كل ذنوبه إلا الدين لتعلقه بحقوق الناس المادية، وبوأه المنزلة العالية في الجنة مع الأنبياء والمرسلين، كما دلت عليه النصوص الشرعية. فقال تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يُرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} [آل عمران:١٦٩/ ٣ - ١٧١] عن مسروق رضي الله عنه، قال: سأل عبد الله - أي ابن مسعود - عن هذه الآية: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يُرزقون؟} [آل عمران:١٦٩/ ٣] فقال: أما أنا فقد سألت عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: «أرواحهم في جوف طير خُضْر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل ... » الحديث (١).

والمعنى أن الله تعالى أحياهم وأعطاهم القدرة على التمتع بثمار الجنة، والتفكه بها والتنقل في أرجائها، قال تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، بل أحياء، ولكن لا تشعرون} [البقرة:١٥٤/ ٢] إلا أن حياتهم ليست بالجسد، وإنما هي من نوع خاص لا يدرك بالعقل، بل بالوحي.

وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وإن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة» (٢).


(١) رواه مسلم والترمذي وغيرهما (الترغيب والترهيب:٣٢٦/ ٢ومابعدها).
(٢) رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس (المصدر السابق:٣١٠/ ٢ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>