وبما أن هذا النظام ظهر حديثاً بعد الحرب العالمية الأولى، فلم يتكلم فيه فقهاؤنا القدامى، وقد بحث فقهاء العصر حكم زكاة هذه النقود الورقية (١)، فقرروا وجوب الزكاة فيها عند جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية)؛ لأن هذه النقود إما بمثابة دين قوي على خزانة الدولة، أو سندات دين، أو حوالة مصرفية بقيمتها ديناً على المصرف.
ولم ير أتباع المذهب الحنبلي الزكاة فيها حتى يتم صرفها فعلاً بالمعدن النفيس (الذهب أو الفضة) قياساً على قبض الدين.
والحق وجوب الزكاة فيها؛ لأنها أصبحت هي أثمان الأشياء، وامتنع التعامل بالذهب، ولم تسمح أي دولة بأخذ الرصيد المقابل لأي فئه من أوراق التعامل، ولا يصح قياس هذه النقود على الدين؛ لأن هذا الدين لا ينتفع به صاحبه وهو الدائن، ولم يوجب الفقهاء زكاته إلا بعد قبضه لاحتمال عدم القبض، أما هذه النقود فينتفع بها حاملها فعلاً كما ينتفع بالذهب الذي اعتبر ثمناً للأشياء، وهو يحوزها فعلاً، فلا يصح القول بوجود اختلاف في زكاة هذه النقود. والقول بعدم الزكاة فيها لاشك بأنه اجتهاد خطأ؛ لأنه يؤدي في النتيجة البينة ألاّ زكاة على أخطر وأهم نوع من أموال الزكاة، فيجب قطعاً أن تزكى النقود الورقية زكاة الدين الحالّ على مليء، كما هو المقرر لدى الشافعية، ويجب فيها ربع العشر (٢.٥٠%).
ويقدر نصابها ـ كما أبنت ـ بسعر صرف نصاب الذهب المقرر شرعاً وهو عشرون ديناراً أو مثقالاً، ونختار أن يكون وزنها ذهباً ٨٥غراماً، ومن الفضة (٥٩٥ غراماً) عملاً بالدرهم العربي وهو (٩٧٥،٢ غم)، والأصح تقدير النصاب الورقي بالذهب؛ لأنه المعادل لنصاب الأنعام (الإبل والبقر والغنم)، ولارتفاع
(١) انظر الفقه على المذاهب الأربعة: ٤٨٦/ ١، ط خامسة.