وأما أنصار الرأي الثاني وهم الجمهور الأعظم فيقولون: إن الإبراء من الدين عن المدين المعسر أو إسقاط الدين أو المسامحة بالدين لا يقع عن الزكاة بحال، ولا يجزئ عنها، وإنما يجب إعطاء الزكاة فعلاً للفقير، كما لو قضى دين ميت فقير بنية الزكاة، لم يصح عن الزكاة، لأنه لا يوجد التمليك من الفقير، لعدم قبضه. لكن لو قضى دين فقير حي بأمره، جاز عن الزكاة، لوجود التمليك من الفقير؛ لأنه لما أمره به، صار وكيلاً عنه في القبض، فصار كأن الفقير قبض الصدقة لنفسه، وملّكها للغريم الدائن.
وأذكر عبارة كل مذهب من هؤلاء:
أـ قال الحنفية: تتعلق الزكاة بعين المال المزكى، كتعلق حق الرهن بالمال المرهون، ولا يزول هذا الحق إلا بالدفع إلى المستحق (١). ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء أو مقارنة لعزل مقدار الواجب؛ لأن الزكاة عبادة، فكان من شرطها النية، والأصل فيها الاقتران، إلا أن الدفع يتفرق، فاكتفي بوجودها ـ أي النية ـ حالة العزل تيسيراً كتقديم النية في الصوم.
وعلى هذا لو كان لشخص دين على فقير، فأبرأه عنه، ناوياً به الأداء عن الزكاة، لم يجزئه؛ لأن الإبراء إسقاط، والساقط ليس بمال، فلا يجزئ أن يكون الساقط عن المال الواجب في الذمة، وبناء عليه قالوا: لا يجوز الأداء في صورتين، يهمنا منهما الصورة الأولى:
الأولى ـ أداء الدين عن العين، كجعله ما في ذمة مديونه زكاة لماله الحاضر
(١) وقال الشافعية والمالكية والإمامية: إن الزكاة تجب في عين المال، والفقير شريك حقيقي للمالك، بدليل قوله تعالى: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات:١٩/ ٥١] وقد تواترت الأحاديث أن الله أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال، ولكن قد أجاز الشرع رفقاً بالمالك أن يؤدي هذا الحق من الأموال الأخرى التي لا زكاة فيها.