للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان لإعزاز الدين، وقد أعز الله الإسلام وأغنى عنهم، كما قال ابن عابدين نقلاً عن البحر الرائق. وقال المرغيناني في الهداية: وقد سقط سهم المؤلفة قلوبهم، لأن الله تعالى أعز الإسلام، وأغنى عنهم، وعلى ذلك انعقد الإجماع.

أو سقط سهمهم، لأن الحكم نسخ بقوله صلّى الله عليه وسلم لمعاذ في آخر الأمر عن الزكاة: «خذها من أغنيائهم، وردها في فقرائهم» (١).

أو لأن الناسخ كما ذكر الكاساني هو إجماع الصحابة على ذلك، فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيئاً من الصدقات، ولم ينكر عليهما أحد من الصحابة رضي الله عنهم، فإنه روي أنه لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم جاؤوا إلى أبي بكر، واستبدلوا الخط منه لسهامهم (أي إصدار كتاب رسمي بحقوقهم) فبدل لهم الخط، ثم جاؤوا إلى عمر رضي الله عنه، وأخبروه بذلك، فأخذ الخط من أيديهم ومزقه، وقال: «إن رسول الله كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم، فقد أعز الله دينه، فإن ثَبَتُّم على الإسلام، وإلا فليس بيننا وبينكم إلا السيف» فانصرفوا إلى أبي بكر، فأخبروه بما صنع عمر رضي الله عنهما، وقالوا: «أنت الخليفة أم هو؟ فقال: إن شاء الله هو»، ولم ينكر أبو بكر قوله وفعله، وبلغ ذلك الصحابة، فلم ينكروا، فيكون إجماعاً منهم على ذلك، ولأنه ثبت باتفاق الأمة أن النبي صلّى الله عليه وسلم إنما كان يعطيهم ليتألفهم على الإسلام، ولهذا سماهم الله «المؤلفة قلوبهم» والإسلام يومئذ في ضعف، وأهله قلة، وأولئك كثير، ذوو قوة وعدد، واليوم بحمد الله عزّ الإسلام وكثر أهله، واشتدت دعائمه، ورسخ بنيانه، وصار أهل الشرك أذلاّء. والحكم متى ثبت معقولاً بمعنى خاص ينتهي بذهاب ذلك المعنى.


(١) رواه الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما. ويروى أن عمر بن الخطاب حين جاءه عُيينة بن حصن قال: {الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شاءَ فَلْيكْفُرْ} [الكهف:٢٩/ ١٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>