وقال الشافعية: يسن الجمع بين الليل والنهار فقط، اتباعاً للسنة، فلا دم على من دفع من عرفة قبل الغروب، وإن لم يعد إليها بعده، لما في الخبر الصحيح:«أن من أتى عرفة قبل الفجر ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه»(١) ولو لزمه دم لكان حجه ناقصاً، نعم، يسن له دم، وهو دم ترتيب وتقدير، خروجاً من خلاف من أوجبه.
وقال المالكية: الركن الحضور بعرفة ليلة النحر، على أي حالة كانت، ولو بالمرور بها، إن علم أنه عرفة، ونوى الحضور، وهذان شرطان في المار فقط كما تقدم، أو كان مغمى عليه. فمن وقف بعرفة بعد الزوال، ثم دفع منها قبل غروب الشمس، فعليه حج قابل، إلا أن يرجع قبل الفجر. لكن إن دفع من عرفة قبل الإمام وبعد غروب الشمس أجزأه. وبهذا يكون شرط صحة الوقوف عندهم: هو أن يقف ليلاً، ودليلهم أنه صلّى الله عليه وسلم وقف بعرفة حين غربت الشمس، وروى ابن عمر: أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «من أدرك عرفات بليل، فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل، فقد فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل».
ونوقش الدليل الأول بأن فعله عليه السلام على جهة الأفضل؛ لأنه كان مخيراً بين ذلك. وأن الحديث الثاني هو بيان آخر وقت الوقوف.
والحاصل أن الجمهور يقولون: يجزئ الوقوف ليلاً أو نهاراً بعد الزوال، وقال المالكية: الواجب الوقوف ليلاً، فمن تركه فينجبر بالدم، كما أن الحنفية والحنابلة يوجبون الدم على من ترك الوقوف ليلاً، والشافعية قالوا: يسن له الدم فقط.
(١) رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن الأربعة) وصححه الترمذي عن عروة بن مُضَرِّس بن أوس. وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف (نيل الأوطار: ٥٨/ ٥) لكن قرر العلماء على أن المراد بقوله عليه السلام في هذا الحديث «نهاراً» أنه بعد الزوال. ويلاحظ أن الحنابلة أجازوا الوقوف من الفجر يوم عرفة، عملاً بظاهر هذا الحديث.