الصنف الثالث: اختلفوا فيه وهو العنب والرطب والرمان: فعند أبي حنيفة لا يحنث بها؛ لأن الفاكهة من التفكه: وهو التنعم بما لا يتعلق به البقاء زيادة على المعتاد، وهو مما لا يصلح غذاء ولا دواء، وهذه الأشياء مما يتغذى بها ويتداوى بها، لأن الرطب والعنب يؤكلان غذاء، ويتعلق بهما بقاء الجسد. وبعض الناس في بعض المواضع يكتفون بها. والرمان يؤكل للتداوي، فليس في هذه الأشياء معنى التفكه الكامل، فلا يتناولها اسم الفاكهة، ويؤيده قوله تعالى:{فأنبتنا فيها حباً، وعنباً وقضباً، وزيتوناً ونخلاً، وحدائق غُلْباً، وفاكهة وأبّا، متاعاً لكم ولأنعامكم}[عبس:٢٧/ ٨٠ - ٣٢] فالله سبحانه عطف الفاكهة على العنب، والمعطوف غير المعطوف عليه.
وقال الصاحبان: يحنث بأكل هذه الأشياء؛ لأن معنى التفكه موجود فيها عرفاً، فإنها أعز الفواكه، والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها.
هذا هو مذهب الحنفية في الفاكهة، والعبرة الآن للعرف، فيحنث الحالف بكل ما يعد فاكهة عرفاً. وأما قول أبي حنيفة بأن العنب والرطب والرمان ليس بفاكهة، فهذا اختلاف عرف وزمان، وكان في زمنه لا تعد هذه الأشياء من جملة الفواكه، فأفتى بحسب عرف زمانه، وقد تغير العرف في زمان الصاحبين، فكانت فتواهما مخالفة لفتوى الإمام رضي الله عنه.
ولو حلف لا يأكل فاكهة يابسة فأكل الجوز واللوز والتين ونحوها: فإنه كان في الماضي يحنث؛ لأن اسم الفاكهة يطلق على الرطب واليابس منها، وأما في عرفنا فلا يحنث في الجوز واللوز، لأنه لا يتفكه بهما (١).