للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن مع زوال الشخصية بالموت تظل ذمة الإنسان وأهلية وجوبه باقية افتراضاً بقدر ما تقتضيه تصفية الحقوق المتعلقة بتركته، وذلك للضرورة وبقدر الضرورة، كما سيتضح في بحث الأموال والذمة المالية، فيتملك الميت ما باشر سبب ملكيته في حياته كنصب شبكة للصيد وقع فيها المصيد، ويضمن ما باشر سبب ضمانه، كالالتزام بدفع قيمة ما يقع من حيوان في حفرة حفرها في الطريق العام.

ويقر الفقه الإسلامي ما يسمى قانوناً: الشخصية الاعتبارية، أو المعنوية أو الشخصية المجردة عن طريق الاعتراف لبعض الجهات العامة كالمؤسسات والجمعيات والشركات والمساجد بوجود شخصية تشبه شخصية الأفراد الطبيعيين في أهلية التملك وثبوت الحقوق، والالتزام بالواجبات، وافتراض وجود ذمة مستقلة للجهة العامة بقطع النظر عن ذمم الأفراد التابعين لها، أو المكونين لها.

والأدلة كثيرة على هذا الإقرار، سواء من النصوص أو من الاجتهادات الفقهية. فمن النصوص: الحديث النبوي: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم» (١) أي أن الأمان الصادر للعدو من أحدهم يسري على جماعة المسلمين. ومنها نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تقضي بجواز رفع ما يسمى بدعوى الحسبة من أي فرد لقمع غش وإزالة منكر أو أذى عن الطريق، وتفريق بين زوجين بينهما علاقة محرمة، وإن لم يكن للمدعي مصلحة شخصية.

ومن الاجتهادات: فصل بيت المال عن مال الحاكم الخاص، وقولهم: بيت المال وارث من لا وارث له، واعتبار الحاكم نائباً عن الأمة في التصرف بالأموال العامة على وفق المصلحة، كما يتصرف الوصي بمال اليتيم. وهو نائب عن الأمة


(١) رواه أحمد عن علي رضي الله عنه (نيل الأوطار: ٢٧/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>