للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - فقال الحنفية والمالكية (١): يلزم العقد بالإيجاب والقبول، ولا يثبت فيه خيار المجلس؛ لأن الله أمر بالوفاء بالعقود في قوله تعالى: {أوفوا بالعقود} [المائدة:١/ ٥] والخيار مناف لذلك، فإن الراجع عن العقد لم يف به، ولأن العقد يتم بمجرد التراضي، بدليل قوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء:٢٩/ ٤] والتراضي يحصل بمجرد صدور الإيجاب والقبول، فيتحقق الالتزام من غير انتظار لآخر المجلس.

ولم يأخذوا بالأحاديث الواردة في إثبات خيار المجلس لمنافاتها لعموم الآيات القرآنية المذكورة. وتأول الحنفية حديث خيار المجلس «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» بأنه وارد في مرحلة ما قبل تمام العقد. فالبيعان: معناه المتساومان قبل العقد، إن شاءا عقدا البيع، وإن شاءا لم يعقداه، والمراد بالتفرق: هو التفرق بالأقوال لا بالأبدان، أي أن للموجب أن يرجع عن إيجابه قبل قبول الآخر، وللآخر الخيار، إن شاء قبل في المجلس، وإن شاء رد، وهذا هو خيار القبول أو الرجوع.

ولكن يلاحظ أن هذا التأويل لا معنى له؛ لأن كل عاقد قبل إبرام العقد حر في القبول وعدمه، ويجعل (أي هذا التأويل) الحديث عديم الفائدة، فلا حاجة للمشرع لإثبات مبدأ حرية الإنسان فيما يلتزم، فهو أصل عام، والأصل في كل إنسان عدم الالتزام. فإذا لم يقبل الذي وجه له الإيجاب لا يسمى ذلك تفرقاً وإنما اختلافاً.

وحديث خيار المجلس لا يعارض آية الأمر بالوفاء بالعقود؛ لأن المراد


(١) البدائع: ١٣٤/ ٥، فتح القدير: ٧٨/ ٥، بداية المجتهد: ١٦٩/ ٢ ومابعدها، الشرح الكبير مع الدسوقي: ٨١/ ٣، القوانين الفقهية: ص٢٧٤، المنتقى على الموطأ: ٥٥/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>