للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويفهم من اشتمال التأمين على الغرر اشتماله أيضاً على الجهالة، والجهالة في البدلين بارزة في التأمين، وهي جهالة مقدار ما يدفعه كل من طرفي العقد (المؤمِّن والمستأمن) للآخر، وهو قابل للكثرة والقلة، بل إن ما يدفعه المؤمن بدلاً أو عوضاً عن الضرر أو الهلاك على خطر الوجود، والخطر الذي هو مسوغ العقد قد يقع وقد لا يقع، وكل هذا يجعل الجهالة فاحشة كثيرة تؤدي إلى إبطال العقد.

ويكون عقد التأمين ممنوعاً شرعاً لاشتماله على فاحش الغرر والجهالة. ولايؤبه بالعلم بمبلغ كل قسط عند حلول ميعاده، فهو صحيح أنه مبلغ معلوم، لكن كمية الأقساط هي التي فيها الجهالة، ورضا المؤمن بدفع التعويض عند وفاة المستأمن أو حدوث حادث له، ضمن مدة محددة بالعقد، مهما بلغ عدد الأقساط قلة وكثرة، لا قيمة له؛ لأنه رضا مخالف لقواعد الشرع ونصوصه المانعة من الغرر، كالرضا في القمار أو الزنى لا يحل واحداً منهما.

وكون الجهالة فاحشة فإنها توثر في العقد وتبطله، ولو لم تفض إلى المنازعة، أما الجهالة اليسيرة غير المفضية إلى النزاع فهي المغتفرة. والجهالة في التأمين أفحش مما صوره الفقهاء للجهالة الفاحشة المفضية إلى النزاع وإفساد عقد البيع مثلاً، كبيع الفجل والجزر في الأرض، فهذان موجودان في الأرض، ولكنهما مجهولان على طريق الظهور والعلم، أما في التأمين فبدل الهلاك أو عوض التأمين مرجوح الوجود، قد يحدث وقد لا يحدث، وهذا احتمال يضعف مشروعية العقد.

لكل ما سبق وغيره من الموانع لا يحل للتاجر وغيره من المستأمنين أخذ بدل الهالك من مال (السوكرة) أو التأمين؛ لأنه مال لا يلزم من التزم به، كما قال ابن عابدين: ولأن اشتراط الضمان على الأمين باطل كما قرر فقهاء الحنفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>