قال أبو حنيفة: لايتعين مكان العقد مكاناً للإيفاء؛ لأن العقد إذا وجد مطلقاً عن تعيين مكان، فلايتعين مكان العقد للإيفاء، وإذا لم يتعين مكان العقد للإيفاء، بقي مكان الإيفاء مجهولاً جهالة مفضية إلى المنازعة بسبب الخلاف على نفقات النقل.
وقال الصاحبان: يتعين مكان العقد مكاناً للإيفاء، فلا يكون هناك جهالة فيصح السلم؛ لأن سبب وجوب الإيفاء هو العقد، والعقد وجد في هذا المكان، فيتعين مكان العقد لوجوب الإيفاء فيه كما في بيع العين.
ويرد عليهما: بأن العقد قائم بالعاقدين، لا بالمكان، وهذا مكان المتعاقدين وليس مكاناً للعقد، فلم يوجد العقد في هذا المكان.
ويجري هذا الخلاف في بيان مكان أداء الأجرة في عقد الإجارة إذا احتاج الأمر إلى نفقة نقل، فعند أبي حنيفة: لايصح العقد إذا لم يعين مكان أداء الأجرة. وعند الصاحبين: تصح الإجارة، ويتعين مكان إيفاء الأجرة بتعيين مكان إيفاء المعقود عليه. فإن كان المأجور داراً أو أرضاً، فتسلم الأجرة عند الدار والأرض، وإن كان المأجور دابة فعند بدء انطلاق السير. وإن كان ثوباً دفع إلى مصبغة مثلاً، ففي الموضع الذي يسلم فيه الثوب. ويلاحظ أن مكان العقد يتعين مكاناً للتسليم عند الصاحبين إذا أمكن التسليم في مكان العقد. فإذا لم يمكن: بأن كان في البحر أو على رأس الجبل، فإنه لايتعين مكان العقد للتسليم، ولكن يسلم في أقرب الأماكن الذي يمكن التسليم فيه من مكان العقد.
وأما إذا لم يكن لتسليم المسلم فيه كلفة ومؤونة كالجواهر واللآلئ ونحوها من المنقولات الخفيفة الحمل، فهناك روايتان عن الحنفية: