توضيح ذلك أن الفقهاء وضعوا قاعدة وهي:«أن ملكية الأعيان لا تقبل الإسقاط، وإنما تقبل النقل» فلو أسقط أحد ملكيته عن شيء مملوك له لا تسقط وتبقى ملكاً له. وقد بنوا عليه عدم صحة الإبراء عن الأعيان لما في الإبراء من معنى الإسقاط مشوباً بمعنى التمليك، فلو كان لأحد عند آخر شيء مغصوب أو مودع فأبرأه عنه لا يصح الإبراء ويبقى الشيء لصاحبه (المدخل الفقهي للأستاذ الزرقاء: ف ١٢٣). وكذلك في البيع: تجوز الحوالة والكفالة والرهن بالثمن والمبيع إلا أن الفرق بين السلم والبيع هو في حالة افتراق العاقدين في السلم بدون قبض كما سأبيِّن.
ففي عقد السلم: يجب أن يقبض المسلم إليه رأس المال من المحال عليه، أو من الكفيل أو من رب السلم أو يهلك الرهن قبل أن يتفرق العاقدان عن المجلس، بشرط أن تكون قيمة الرهن مثل رأس المال أو أكثر؛ لأن حق المسلم إليه ينتقل حينئذ إلى قيمة الرهن، فإذا كانت هذه القيمة تساوي رأس المال أو تزيد عنه، فيحصل افتراق العاقدين بعد أن يتم قبض رأس المال؛ لأن قبض الرهن قبض استيفاء؛ لأنه قبض مضمون على المرتهن سواء تعدى أو قصر أو لم يتعد ولم يقصر، وبالهلاك تقرر الضمان عليه، فتحدث مقاصة بين المرتهن والراهن، أي بين المسلم إليه ورب السلم هنا. ويترتب عليه أنه يحدث الافتراق بينهما بعد قبض رأس المال.
فإن كانت قيمة الرهن أقل من رأس المال، تم العقد بقدر الرهن ويبطل في الباقي.
وإذا افترق رب السلم والمسلم إليه قبل القبض بطل السلم حتى ولو بقي المحال عليه والكفيل مع المسلم إليه، أما لو بقي المسلم إليه مع رب السلم، وذهب المحال عليه والكفيل فلا يبطل السلم؛ لأن العبرة لبقاء العاقدين وافتراقهما؛ لأن القبض من حقوق العقد، والعقد أساسه العاقدان.
والحكم كذلك في الرهن: إذا لم يهلك حتى تفرق المتعاقدان، يبطل السلم لعدم قبض رأس المال، وعلى المسلم إليه رد الرهن على صاحبه.