للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشافعية والحنابلة: إنها فسخ؛ لأن الإقالة هي الرفع والإزالة ولأن المبيع عاد إلى البائع بلفظ لا ينعقد به البيع، فكان فسخاً، كالرد بالعيب (١).

وأما الحنفية فاختلفوا فيما بينهم، فقال أبو حنيفة رحمه الله، وقوله هو الصحيح عند الحنفية:

الإقالة فسخ في حق العاقدين بيع جديد في حق ثالث غيرهما، سواء قبل القبض أو بعده، إلا إذا لم يمكن جعلها فسخاً فتبطل، كأن تلد البهيمة المبيعة بعد القبض لتعذر الفسخ بالزيادة المنفصلة. ودليله على أن الإقالة فسخ: هو أنها رفع لغة وشرعاً، ورفع الشي فسخه، وأما إنها بيع فلأن كل واحد من المتعاقدين يأخذ رأس ماله ببدل، وهذا معنى البيع. إلا أنه لا يمكن إظهار معنى البيع في حق العاقدين للتنافي (٢)، فأظهرناه في حق ثالث غيرهما. وعلى هذا، فمن اشترى داراً، ولها شفيع فلم يطلب الشفعة بعد علمه بالبيع، ثم أقال العاقدان البيع، فيثبت للشفيع حق طلب الشفعة ثانياً؛ لأن الإقالة عقد جديد في حقه وهو المراد بالشخص الثالث هنا.

وقال أبو يوسف: الإقالة بيع جديد في حق العاقدين وغيرهما، إلا أن يتعذر جعلها بيعاً، فتجعل فسخاً، كأن تقع الإقالة قبل القبض في مبيع منقول؛ لأن بيع المنقول قبل القبض لا يجوز، بخلاف العقار فإنه يجوز بيعه قبل القبض عنده وعند أبي حنيفة، فإقالته بيع. ودليله أن معنى البيع هو مبادلة المال بالمال، وهو أخذ بدل


(١) المغني: ٤ ص ١٢١ ومابعدها، غاية المنتهى: ٢ ص ٥٢، مغني المحتاج: ٢ ص ٩٦، قال النووي في المجموع (٩ ص ١٥٦): إذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب: وهي خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار الخلف بأن كان شرطه كاتباً فخرج غير كاتب، والإقالة والتحالف، وتلف المبيع.
(٢) أي لاختلاف البيع والإقالة في الاسم، لأن البيع إثبات، والرفع نفي، وبينهما تناف.

<<  <  ج: ص:  >  >>