ومن صور حوالة الحق ضمن الحوالة المقيدة: أن يحيل البائع دائنه على المشتري بالثمن. ويحيل المرتهن على الراهن بالدين، وتحيل الزوجة على زوجها بالمهر. ويحيل صاحب الحق في ريع الوقف دائنه على ناظر الوقف في حقه من الغلة بعد حصولها في يد الناظر. ويحيل الغانم حقه في الغنيمة المحرزة على الإمام. ففي كل هذه الأمثلة حل دائن جديد ـ وهو المحال ـ محل الدائن الأصلي وهو البائع، أو المرتهن أو الزوجة، أو مستحق غلة الوقف، أو الغانم.
ومنشأ اللبس في فهم مذهب الحنفية حول حوالة الحق راجع إلى أن الحنفية لا يرون الحوالة نوعاً من البيع تجري فيها كل أحكامه، بل هي عندهم عقد مستقل شرع لغاية معينة يحتاج إليه التعامل، وليس فرعاً من غيره، ولكن فيه تشابه مع عقود وتصرفات أخرى في بعض النواحي، فالحوالة تشبه البيع (بيع الدين أو الحق) وليست ببيع، وتشبه الكفالة وليست بكفالة، وتشبه قبض الدين وليست قبضاً، وتشبه الوكالة بالقبض أو بالأداء وليست بوكالة، وتشبه ما يسمى بلغة العصر اليوم فتح الاعتماد، وليست به، وفيها بعض سمات التبرع، وبعض سمات المعاوضة إلخ .. وقد أخذت الحوالة أحكاماً متنوعة تتناسب مع تلك المشابهات العديدة فيها.
وإذا كان الحنفية لا يجيزون تمليك أو بيع الدين لغير من عليه الدين، فلا يعني أنهم ينكرون حوالة الحق، إذ أن تبدل دائن بدائن، لا يفيد عندهم تمليك الدين لغير من هو عليه؛ لأن مقتضى الحوالة هو نقل الدين أو نقل المطالبة به إلى المحل الجديد، نقلاً مؤقتاً بعدم التوى (أي موت المحال عليه أو إفلاسه أو جحوده الحوالة) لا تمليكه، وإنما يملك المحال ما يقبضه وفاءً به بعد تنفيذ الحوالة بالقبض، وبذلك تكون الحوالة عندهم غير البيع.