للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه فهو باطل؛ لأن الشاهد في إقامة الشهادة محتسب حقاً لله تعالى، والصلح عن حقوق الله عز وجل باطل، ويجب على العاقد رد ما أخذ من المال؛ لأنه أخذ بغير حق. ولو علم القاضي به أبطل شهادته؛ لأنه فسق، إلا أن يتوب، فتقبل.

ويجوز الصلح باتفاق المذاهب الأربعة عن القصاص في النفس وما دون النفس من الأعضاء؛ لأن القصاص حق للإنسان، فالصلح يجوز حينئذ، سواء أكان بدل الصلح عيناً أم ديناً، لكن إذا كان

البدل ديناً يشترط القبض في المجلس، حتى لا يكون افتراقاً دين بدين (١).

وسواء أكان البدل معلوماً أم مجهولاً غير فاحشة، فإذا صالح مثلاً على ثوب أو دابة أو دار لا يجوز؛ لأن الثياب والدواب والدور أجناس ذات أنواع مختلفة، وجهالة النوع تعتبر فاحشة، فتمنع الجواز.

والضابط في هذا: أن كل جهالة تمنع صحة تسمية المهر في النكاح تمنع صحة الصلح من القصاص، وما لا يمنع التسمية فلا يمنع الصحة؛ لأن كلاً من بدل الصلح والمهر يجب بدلاً عما ليس بمال. وعليه إن كان البدل مما يصلح مهراً في النكاح فيصلح بدلاً في الصلح، وإذا لم يصلح تسمية المهر بسبب الجهالة يجب مهر المثل، وإذا لم يصلح تسمية بدل الصلح يسقط القصاص وتجب دية النفس في القتل، وأرش الجناية فيما دون النفس، إلا أن بين النكاح والصلح فرقاً من وجه وهو أنه إذا صالح عن القصاص على خمر أو خنزير، يسقط القصاص، ولا يجب شيء آخر، ويكون الصلح عفواً من صاحب الدم؛ أما في النكاح فإنه يجب مهر المثل. وجه الفرق: هو أن لفظ (الصلح) كناية عن العفو، فإذا لم يذكر مال متقوم


(١) البدائع، المرجع السابق، المبسوط: ٩/ ٢١، تبيين الحقائق: ٣٥/ ٥، تكملة فتح القدير: ٣٢/ ٧، الشرح الكبير: ٣١٧/ ٣، المغني: ٤٩٤/ ٤ ومابعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>