للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير خلاف بين الأئمة، بدليل إسناد الحق في الغنيمة للغانمين في قوله تعالى: {غنمتم} [الأنفال:٤١/ ٨] أسنده إليهم إسناد الملك إلى مالكه.

وبدليل ما بينته السنة بقوله صلّى الله عليه وسلم وفعله، أما قوله فمثل: «أيما قرية أتيتموها وأقمتم بها فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت الله ورسوله، فإن خمسها لله ورسوله، ثم هي لكم» (١)، فالمراد بالقرية الأولى: الفيء، ويصرف مصارفه، والمراد بالقرية الثانية: ما أخذ عنوة، فيكون غنيمة يخرج منه الخمس، وباقيه للغانمين، وهو معنى قوله: «ثم هي لكم» أي باقيها.

وأما ما فعله عليه الصلاة والسلام: فالثابت عنه أنه قسم خيبر بين الغانمين بعد أن فتحت عنوة أي قهراً لا صلحاً، وقسم أيضاً أموال بني قريظة وبني النضير (٢) كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد.

وأما المدينة ففتحت بالقرآن وأسلم عليها أهلها فأقرت بحالها. وأما مكة ففتحها الرسول صلّى الله عليه وسلم عنوة، ولم يقسمها.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أما والذي نفسي بيده، لولا أن أترك آخر الناس ببّاناً (٣)، ليس لهم شيء، ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيبر، ولكني أتركها خزانة لهم، يقتسمونها» (٤)، فكان رأي عمر أن يترك الأرض ولا يقسمها.


(١) رواه أحمد ومسلم وأبو داود (شرح مسلم للنووي: ٦٩/ ١، الأموال لأبي عبيد: ص ٥٧).
(٢) انظر شرح مسلم: ٩١/ ١٢، ١٦٤، عيني بخاري: ٤٦/ ١٥، سنن أبي داود: ٢١٧/ ٣، زاد المعاد: ٦٨/ ٢، نيل الأوطار: ١٢/ ٨.
(٣) الببَّان: المعدم الذي لا شيء له. والمعنى: لولا أني أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم، أي متساوين في الفقر، لأنه إذا قسم البلاد المفتوحة على الغانمين بقي من لم يحضر الغنيمة، ومن يجيء بعد من المسلمين بغير شيء منها، فلذلك تركها لتكون بينهم جميعاً (فتح الباري: ٣٩٥/ ٧، النهاية لابن الأثير: ٦٩/ ١).
(٤) صحيح البخاري: ٨٦/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>