للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال أبو حنيفة بمقتضى القياس: والشافعية والظاهرية: لصاحب الملك أن يفعل في ملكه ما يشاء، وهو مطلق التصرف في خالص ملكه، وإن ألحق الضرر بغيره، فله فتح ما شاء من النوافذ، وهدم ما شاء من الجدران، وحفر ما رأى من الآبار، وإنشاء ما يشاء من المصانع، واتخاذ ما أراد من السكنى أو المتجر.

لكن في الجدار المشترك: قال الشافعية في الجديد (١): ليس لأحد الشريكين وضع جذوعه عليه بغير إذن شريكه، وليس له أن يدق وتداً أو يفتح كوَّة أو نحوهما مما يضايق فيه عادة إلا بإذن شريكه، ولا أن يستند إليه ويسند متاعاً لا يضر، وله ولغيره مثل هذا الانتفاع في جدار الأجنبي؛ لأنه لا ضرر على المالك، فلا يضايق فيه، بل له الانتفاع، ولو منعه المالك.

وقال الصاحبان بمقتضى الاستحسان الذي أخذت به المجلة: يتقيد استعمال مالك العقار وتصرفه بما لا يؤدي إلى ضرر بيّن فاحش بجاره، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار». وهذا هو المفتى به عند الحنفية.

والضرر البين الفاحش: ما يكون سبباً لهدم أو سقوط بناء الجار، أو ما يوهن البناء، أو ما يؤذي الجار أذىً بالغاً على وجه دائم، أو ما يؤدي إلى سلخ حق الانتفاع بالكلية: وهو ما يمنع من الحوائج الأصلية، كأن يحول داره إلى فرن أو مصنع للحديد أو مطحنة للحبوب، أو حمام أو تنور أو يبني جداراً يمنع به النور عن جاره.

فإن فعل شيئاً مما ذكر، منع منه، وأمر بإزالته، وكان ضامناً ما يترتب عليه من تلف بدار جاره، سواء أكان بالمباشرة أم بالتسبب.


(١) مغني المحتاج: ١٨٩/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>