للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغاصب لو تصرف في المغصوب بالبيع أو الهبة أو الصدقة قبل أداء الضمان، ينفذ تصرفه، كما تنفذ تصرفات المشتري في المشترى شراء فاسداً، وكما لو غصب شخص عيناً فغيبها (أخفاها) فضمنه المالك قيمتها، ملكها الغاصب؛ لأن المالك ملك البدل كله، والمبدل قابل للنقل، فيملكه الغاصب لئلا يجتمع البدلان في ملك شخص واحد.

ولكن في رأي أبي حنيفة ومحمد (١): لا يحل للغاصب الانتفاع بالمغصوب بأن يأكله بنفسه أو يطعمه غيره قبل أداء الضمان. وإذا حصل فيه فضل (أي نماء وزيادة) يتصدق بالفضل استحساناً، وعليه، إن غلة المغصوب المستفادة من إركاب سيارة مثلاً لا تطيب له؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يبح الانتفاع بالمغصوب قبل إرضاء المالك، روى أبو حنيفة بسنده عن أبي موسى رضي الله عنه: «أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان في ضيافة قوم من الأنصار، فقدَّموا إليه شاة مصلية (مشوية)، فأخذ منها لقمة، فجعل يمضغها ولا يسيغها، فقال عليه الصلاة والسلام: إن هذه الشاة لتخبرني أنها ذبحت بغير حق، قالوا: هذه الشاة لجار لنا، ذبحناها لنرضيه بثمنها، فقال صلّى الله عليه وسلم: أطعموها الأسارى (٢)» فقد حرم عليهم الانتفاع بها، مع حاجتهم، ولو كانت حلالاً لأطلق لهم إباحة الانتفاع بها.

وقال المالكية (٣): يمنع الغاصب من التصرف في المغصوب برهن أو كفالة خشية ضياع حق المالك، ولا يجوز لمن وهب له منه شيء قبوله ولا الأكل منه مثلاً


(١) وقال أبو يوسف وزفر: يحل له الانتفاع ولا يلزمه التصدق بالفعل إن كان فيه فضل، لأن المغصوب مملوك للغاصب من وقت الغصب: «المضمونات تملك بأداء الضمان مستنداً إلى وقت الغصب» أي بأثر رجعي، وعلى هذا فإن غلة المغصوب تطيب للغاصب.
(٢) رواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار، وأبو داود وأحمد في مسنده والدارقطني في سننه من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار (نصب الراية: ١٦٨/ ٤).
(٣) الشرح الكبير: ٤٤٥/ ٣ وما بعدها، الشرح الصغير: ٥٨٦/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>