قال الحنفية، والشافعية على المذهب عندهم: لا يجبر الملتقط على تسليم اللقطة إلى من يدعيها بلا بينة، لأنه مدع، فيحتاج إلى بينة كغيره، لقوله صلّى الله عليه وسلم:«لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر»(١). ولأن اللقطة مال للغير، فلا يجب تسليمه بالوصف كالوديعة، لكن يحل للملتقط دفع اللقطة لمن يدعيها عند إصابة العلامة عند الحنفية، أو إذا غلب على ظن الملتقط صدق المدعي عند الشافعية، عملاً بقول الرسول صلّى الله عليه وسلم:«فإن جاء صاحبها، وعرَّف عفاصها، ووكاءها، وعددها فأعطها إياه، وإلا فهي لك».
وقال المالكية والحنابلة: يجبر الملتقط على تسليم اللقطة لصاحبها إذا وصفها بصفاتها المذكورة، سواء غلب على ظنه صدقه أم لم يغلب، ولا يحتاج إلى بينة، عملاً بظاهر قول النبي صلّى الله عليه وسلم:«فإن جاء أحد يخبرك بعددها، ووعائها، ووكائها، فادفعها إليه».
وفي حديث زيد السابق:«اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة فإن لم تعرف، فاستنفقها، وإن جاء طالبها يوماً من الدهر، فأدِّها إليه» يعني إذا ذكر صفاتها؛ لأن هذا هو المذكور في صدر الحديث، ولم يذكر البينة في شيء من الحديث، ولو كانت شرطاً للدفع لم يجز الإخلال به، ولا أمر بالدفع بدونه، ولأن إقامة البينة على اللقطة متعذر؛ لأنها ضاعت حال الغفلة والسهو. وقول النبي صلّى الله عليه وسلم:«البينة على المدعي» يعني إذا كان هناك منكر، ولا منكر ههنا. وهذا هو الرأي الأرجح حقاً.
(١) حديث حسن رواه البيهقي وأحمد هكذا، وهو في الصحيحين بلفظ آخر من حديث ابن عباس (نصب الراية: ٩٥/ ٤، نيل الأوطار: ٣٠٥/ ٨، سبل السلام: ١٣٢/ ٤، الإلمام: ص ٥٢١، شرح مسلم: ٢/ ١٢).