المعاش ومتاع الحياة، وينعكس أثر الاقتصاد على السياسة الدولية بشكل واضح، فما الاستعمار وآثامه، والمؤتمرات الدولية التي يتكررا انعقادها في المناسبات والأزمات والأسواق الدولية المشتركة سوى انعكاس لاقتصاد الدولة، وتخطيط سياستها المالية، والتنمية المطلوبة لديها.
وإذا كان هذا هو شأن الاقتصاد وتأثيره في العالم، فلا بد من أن يكون للإسلام خطة واضحة في القضايا الاقتصادية، إذ إنه شريعة الخلود الدائمة التي تقدر تماماً ما للوضع الاقتصادي من تأثير كبير في حياة الأمة، والتي تتجاوب مع مقتضيات التطوروالتبدل الذي يمر على البشرية. وليس من المعقول ألا يكون هناك أساس اقتصادي للحضارة الإسلامية التي سادت العالم عدة قرون من الزمان، وكان الرفاه والرخاء يعم الأوساط الإسلامية، حتى إنه لايكاد يجد الغني أحداً من الفقراء يعطيه زكاة أمواله في بعض عهود الدولة الإسلامية الزاهرة.
لذا فإني أذكر أهم معالم النظام الاقتصادي الإسلامي، تلك المعالم التي لم يستغرب المرء منها أن تكون أساساً صالحاً للمجتمعات المتحضرة في مختلف مراحل التطور البشري؛ لأنها تتلاءم مع الفطرة الإنسانية، وتلتقي مع العدالة والحرية والرحمة، وتصدر عن تخطيط إلهي أو عن تنظيم اقتصادي مستقل، مجرد عن النزعات والأهواء الخاصة. وأسس هذا النظام الاقتصادي الإسلامي تجمع بين ما هو معروف في مجال الفكر الاقتصادي بصفة عامة من (السياسة الاقتصادية) و (المذهب الاقتصادي) والمقصود بالسياسة الاقتصادية: هو ذلك النوع من الفكر الاقتصادي الذي يحاول حل المشكلات الاقتصادية الطارئة على المجتمع. وموضوع هذه السياسة دراسة خير السبل والوسائل التي يجب أن تتبعها السلطات العامة للوصول إلى هدف معين أو غاية محدودة.