الخاص لدفع الضرر العام» ويجوز للجائع حال الضرورة أخذ الطعام من الآخرين، لإنقاذ نفسه من الهلاك، على أن يدفع ثمنه لأن (الاضطرار لا يبطل حق الغير). وعلى مالك الطعام أن يدفعه إلى المحتاج إليه، وإلا كان آثماً، ويجوز للمضطر إليه مقاتلته، كما له أن يقاتل صاحب الماء الذي يمنعه عن العطشان، فإن قتل الجائع وجب القصاص على القاتل. وقد نوه سيدنا عمر بهذا المبدأ وما قبله فقال:«لو استقبلت من أمري مااستدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء، فرددتها على الفقراء» وقال ابن حزم الظاهري: «فرض على الأغنياء من كل بلد أن يقوموا بفقرائها، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم ولا في سائر أموال المسلمين، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس في الشتاء والصيف بمثل ذلك وبمسكن يكنّهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة».
وهكذا يظهر لنا أن هناك تضامناً فعالاً بين الفرد والجماعة الممثلة بالدولة لتحقيق السعادة والرفاه، فكما أن الدولة مسؤولة عن رعاياها (مجتمعها) يعتبر كل فرد في المجتمع مسؤولاً عن أي فرد آخر، وهذا ليس مجرد تكافل أخلاقي، وإنما هو تكافل قانوني إلزامي، وإن لم يوجد جزاء أو عقاب دنيوي على تقصير الإنسان بواجبه فيه. وعليه تكون الدولة في النظام الإسلامي أشبه بدولة اشتراكية، وكل فرد فيها أقرب إلى أنه عضو اشتراكي فعال يساهم في تحمل المسؤولية الاشتراكية على وفق ترتيب منطقي وهو:«وابدأ بمن تعول»(١) أي ابدأ بنفسك ثم بمن تجب عليك نفقتهم من الأهل، ثم العناية بشأن الجار، والضيف، ثم كل محتاج، ثم التعاون في استغلال موارد الطبيعة. ولا يقتصر الأمر على جانب الاقتصاد، بل لا
(١) أخرجه أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنه، ومطلع الحديث: «اليد العليا خير من اليد السفلى».