للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصراع الحاد بين الطبقات، وإنما التي تنبع من الذات المؤمنة السامية والضمير الإنساني اليقظ والمثل الدينية العليا. فالاشتراكية السياسية والاقتصادية الوطيدة الأركان هي التي تقوم على الاقتناع بضرورة التنازل عن شيء من المصالح الفردية في سبيل تحقيق مصلحة المجموع، وهذا الاقتناع يحتاج إلى تذوق خلقي للعلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع، والفهم الخلقي يحتاج إلى قوة دافعة من العقيدة السامية التي قررتها الأديان، وتبلورت ـ أخيراً في الإسلام، لأن الدين سند الأخلاق وحارسها وحافظها من الضعف والانهيار أثناء الأزمات.

ومن أهم الأخلاق الاشتراكية: الإحساس المرهف بالمسؤولية والسمو البشري في التعاطف والتعامل وحب الخير والحق والإيثار. أما الإحساس بالمسؤولية فموزع على الحكام والأفراد، قال صلّى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها» (١) وقد بلغ الإحساس بالمسؤولية عند الخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان درجة عالية انعكست على كل الولاة والعمال في الدولة، بل على سائر أفراد المسلمين، إذ كان الواحد يندفع إلى تلبية الواجب وتنفيذ أوامر الإسلام من دون حاجة إلى مراسيم وقوانين وأوامر متتابعة ومتراكمة من الخليفة والحكام بحيث يزحم بعضها بعضاً، وقد ينقض واحد منها الآخر.

وكان أخطر أنواع المسؤولية: هو توزيع الحقوق المالية على الناس في أجزاء البلاد، وقيام الحاكم بواجبه نحو الرعية، وهو الذي أحس به سيدنا عمر حينما قال: «لئن عشت إلى قابل ليبلغنَّ الراعيَ في صنعاء نصيبه من هذا الفيء ودمه في


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>