للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال المالكية والحنفية: تجب الأجرة باستيفاء المنفعة فعلاً أو بالتمكين من الاستيفاء، ولا تملك الأجرة بالعقد نفسه؛ لأن المستأجر يملك حينئذ الشيء المأجور عليه، فيملك الأجير العوض المستحق تحقيقاً لمبدأ المساواة المطلوبة العاقدين. وذلك إلا إذا اشترط تعجيل الأجرة بالعقد نفسه، أو عجلت فعلاً من غير شرط أو تم الاتفاق على تأجيل الأجرة. وبناء عليه: يستحق الأجير أجرته شيئاً فشيئاً بحسب المنفعة التي قدمها للمستأجر وملكها شيئاً فشيئاً على ممر الزمان. وبعبارة أخرى: يلزم المكري دفع الكراء جزءاً فجزءاً بحسب ما يقبض من المنافع، إلا إذا وجد شرط خلافه، أو كان هناك ما يقتضي التقديم، مثل أن يكون الكراء عوضاً معيناً بذاته، أو يكون كراء في الذمة.

والخلاصة: إن العلاقة بين رب العمل والعامل تقوم في الإسلام على أساس الإنسانية والرحمة والتعاون، والعدالة أو الكفاءة والرضا والعرف. ويرغِّب الإسلام أيضاً في إكرام العامل زيادة على أجره؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «خيركم أحسنكم قضاء» (١) ويتحدد قدر الشيء المقابل بحسب ما يتعارفه الناس في مثله إذا لم يكن هناك اتفاق صريح على التقدير، أو فوض شخص بأداء شيء لآخر ولم يقدر حدود الشيء المدفوع. ويلزم رب العمل بتعويض العامل عما قد يصيبه من أضرار الآلة والعمل منعاً من الضرر، وللحكومة أن تتدخل في علاقات أرباب العمل والعمال بأن تقرر أن تكون أجور العمال متفقة مع مشقة العمل، ولا تجحف بمصلحة الملاك، منعاً لاستغلال حاجة العمال، ومحافظة على نمو رأس المال للأمة.


(١) أخرجه أحمد والشيخان عن أبي هريرة بلفظ «إن خيركم أحسنكم قضاء» وأخرجه أحمد والترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي الله بلفظ «خياركم أحاسنكم قضاء» وأخرجه الجماعة إلا البخاري عن أبي رافع بلفظ «فإن من خير الناس أحسنهم قضاء» (نيل الأوطار: ٢٣٠/ ٥ ومابعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>