للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستثنى هؤلاء الفقهاء من قاعدة المنع من التصرف بالمعدوم عقود السلم والإجارة والمساقاة والاستصناع، مع عدم وجود المحل المعقود عليه حين إنشاء العقد، استحساناً، مراعاة لحاجة الناس إليها، وتعارفهم عليها، وإذن الشرع في السلم والإجارة والمساقاة ونحوها.

واكتفى المالكية باشتراط هذا الشرط في المعاوضات المالية، دون التبرعات كالهبة والوقف والرهن (١).

ولم يشترط الحنابلة هذا الشرط، واكتفوا بمنع البيع المشتمل على الغرر الذي نهى عنه الشرع، كبيع الحمل في البطن دون الأم، وبيع اللبن في الضرع، والصوف على ظهر الغنم، وأجازوا فيما عدا ذلك بيع المعدوم عند العقد إذا كان محقق الوجود في المستقبل بحسب العادة، كبيع الدار على الهيكل أو الخريطة، لأنه لم يثبت النهي عن بيع المعدوم، لا في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام الصحابة، وإنما ورد النهي عن بيع الغرر: وهو ما لا يقدر على تسليمه، سواء أكان موجوداً أم معدوماً، كبيع الفرس الهارب والجمل الشارد، فليست العلة في المنع، لا العدم ولا الوجود، فبيع المعدوم إذا كان مجهول الوجود في المستقبل باطل للغرر، لا للعدم. بل إن الشرع صحح بيع المعدوم في بعض المواضع، فإنه أجاز بيع الثمر بعد بدء صلاحه، والحب بعد اشتداده، والعقد في هذه الحالة ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد. وأما حديث النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان المتقدم، فالسبب فيه هو الغرر، لعدم القدرة على التسليم، لا أنه معدوم (٢).


(١) الشرح الصغير: ٣٠٥/ ٣، القوانين الفقهية: ص ٣٦٧.
(٢) المغني: ٢٠٠/ ٤، ٢٠٨، نظرية العقد لابن تيمية: ص ٢٢٤، أعلام الموقعين: ٨/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>