للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محدداً للجرائم والعقوبات التعزيرية، فإن أصل التفويض في تقدير التعزير هو للإمام أي رئيس الدولة إذا كان مجتهداً، وتصدى للقضاء، فإذا ناب عنه قضاة متخصصون، تقيدوا بما يقيدهم به من أنظمة وقواعد.

هذا وقد اتفق الفقهاء على عدم تحديد أقل التعزير، ولكنهم اختلفوا في تحديد أكثره، فقال المالكية: هو غير محدود، بدليل إجماع الصحابة على أن معن بن زائدة (١) زوركتاباً على عمر رضي الله عنه، ونقش خاتماً مثل خاتمه، فجلده مئة، فشفع فيه قوم، فقال: أذكروني الطعن، وكنت ناسياً، فجلده مئة أخرى، ثم جلده بعد ذلك مئة أخرى، ولأن الأصل مساواة العقوبات للجنايات، ولأن الخليفة عمر ابن عبد العزيز رحمه الله قال: تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور.

وقال أبو حنيفة: لا يجاوز بالتعزير أقل الحدود، وهو أربعون جلدة (حد العبد في الخمر والقذف) بل ينقص منه سوط واحد.

وللشافعي قولان: أصحهما كرأي أبي حنيفة. وسأوضحه في بحثه أيضاً، ودليلهم خبر في الصحيحين: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا تجلدوا فوق عشر، في غير حدود الله تعالى» (٢) وقد أجيب عن هذا الحديث بسبب تقرير هؤلاء الفقهاء الزيادة على عشرة أسواط بأنه محمول على التأديب للمصالح، الصادر من غير الولاة كالسيد يضرب عبده، والزوج يضرب زوجته، والأب يضرب ولده. أو أن المراد به جلد غير المكلفين كالصبيان والمجانين والبهائم.


(١) يظهر أنه معن بن أوس، وهو غير معن المشهور بحلمه، وهوغير صحابي أيضاً.
(٢) رواه الجماعة إلا النسائي عن أبي بردة بلفظ: «لا يجلد فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله تعالى» (نيل الأوطار: ١٤٩/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>