للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنفاق كالشرك جرم عظيم، لذا أنذر الحق سبحانه جماعة المنافقين بما ينتظرهم من أشد العذاب، فقال: {إن المنافقين في الدَرْك الأسفل من النار، ولن تجدَ لهم نصيراً} [النساء:١٤٥/ ٤].

وكذلك العقاب على كثير من الرذائل الخلقية المشينة والموقعة في أشرار كثيرة مؤجل تنفيذه إلى الآخرة، مثل الحسد والحقد والنميمة والسعاية بالإفساد بين الناس أو إلى الحاكم ظلماً، والغيبة، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور التي لم يكشف أمرها ونحو ذلك، كما تقدم.

وأما العقاب الدنيوي: فليس مراداً به التنكيل والتشفي وإلحاق الضرر بالبنية الإنسانية، وإنما يستهدف الزجر والتهديد والإصلاح والتنفير من الجريمة، بل إن الله تعالى لم يوقع عقوبة دنيوية على المنافقين بالرغم من أخطارهم الشديدة على الدولة والمجتمع، وبخاصة وقت الأزمات والحروب. وما أحسن ما قاله الجصاص الرازي عند بيان عقوبة المنافقين الأخروية في الآية التي هي: {إن المنافقين في الدّرك الأسفل من النار} [النساء:١٤٥/ ٤]:

ومع ما أخبر بذلك من عقابهم وما يستحقونه في الآخرة، خالف بين أحكامهم وأحكام سائر المظهرين للشرك، في رفع القتل عنهم، بإظهارهم الإيمان، وأجراهم مجرى المسلمين في التوارث وغير ذلك، فثبت أن عقوبات الدنيا ليست موضوعة على مقادير الإجرام، وإنما هي على ما يعلم الله من المصالح فيها، وعلى هذا أجرى الله تعالى أحكامه، فأوجب رجم الزاني المحصن، ولم يزل عنه الرجم بالتوبة، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام في ما عز بعد رجمه، وفي الغامدية بعد رجمها: «لقد تاب توبة لو تابها صاحب مكس ـ جمارك ظالمة ـ لغفر له». والكفر أعظم من الزنا، ولو كفر رجل، ثم تاب قبلت توبته، وقال تعالى: {قل

<<  <  ج: ص:  >  >>