للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا قطع السارق فلا غرم عليه» (١).

وقال المالكية: إن كان السارق موسراً عند القطع، وجب عليه القطع والغرم، تغليظاً عليه، وإن كان معسراً لم يتبع بقيمته، ويجب القطع فقط، ويسقط الغرم تخفيفاً عنه، بسبب عذره بالفاقة والحاجة (٢).

وقال الشافعية والحنابلة: يجتمع قطع وضمان، فيرد ما سرق لمالكه، وإن تلف فيرد بدله، فإذا تلف المسروق في يد السارق ضمن بدله: برد مثله إن كان مثلياً، وقيمته إن كان قيمياً، سواء أكان موسراً أم معسراً، قطع أم لم يقطع، فلا يمنع القطع وجوب الضمان، لاختلاف سبب وجوب كل منهما، فالضمان يجب لحق الآدمي، والقطع يجب لحق الله تعالى، فلا يمنع أحدهما الآخر، كالدية والكفارة، والجزاء والقيمة في قتل الصيد الحرمي المملوك (٣).

ويلاحظ أن منشأ الخلاف بين الحنفية وغيرهم: هو قاعدة تملك المضمون عند الحنفية، وهي «أن المضمونات تملك بالضمان، ويستند الملك فيها إلى وقت وجوب الضمان» فلا يجتمع عندهم القطع والضمان؛ لأنه لو ضمن لملك المسروق، واستند ملكه إلى وقت الأخذ، فيحصل القطع في ملك نفسه، وهو لا يجوز.

وقال الشافعي وغيره: لا تملك المضمونات بالضمان، فيجتمع القطع والضمان لتعدد السبب، وعدم إسناد الضمان إلى وقت الأخذ (٤).


(١) قال الزيلعي عن حديث «لا غرم على السارق بعد ما قطعت يمينه»: غريب بهذا اللفظ ومثله اللفظ الوارد هنا، وبمعناه ما أخرجه النسائي في سننه عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد» قال النسائي: هذا مرسل وليس بثابت، وأخرجه البيهقي أيضاً، وذكر له علة أخرى، وأخرجه الدارقطني في سننه بلفظ: «لا غرم على السارق بعد قطع يمينه» (راجع جامع الأصول: ٣٢٧/ ٤، نصب الراية: ٣٧٥/ ٣، سبل السلام: ٢٤/ ٤).
(٢) بداية المجتهد: ٤٤٢/ ٢، حاشية الدسوقي: ٣٤٦ وما بعدها، القوانين الفقهية: ص٣٦٠.
(٣) المهذب: ٢٨٤/ ٢، المغني: ٢٧٠/ ٨، غاية المنتهى: ٣٤٤/ ٣.
(٤) تخريج الفروع على الأصول للزنجاني: ص ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>