للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمل. وإبعاداً لليأس والقنوط عن النفس، إذ «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» (١). ويرشد لذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (٢) أي ما لم تبلغ روحه الحلقوم. وفسر عكرمة قوله تعالى: {ثم يتوبون من قريب} [النساء:١٧/ ٤] بأن الدنيا كلها قريب. وقال الضحاك: كل ما كان قبل الموت فهو قريب (٣) وفي حديث آخر: «ما من عبد مؤمن يتوب قبل الموت بشهر إلا قبل الله منه أدنى من ذلك، وقبل موته بيوم وساعة، ويعلم الله منه التوبة والإخلاص إليه، إلا قبل منه» (٤).

قال العلماء: إنما صحت التوبة قبل الموت ولو بيوم، لأن الرجاء بإصلاح الإنسان باق، ويصح منه الندم والعزم على ترك الفعل القبيح (٥). أما من صار في حال اليأس من الحياة، كفرعون الذي آمن حينما صار في غمرة الماء والغرق، فلا تنفعه التوبة، أو إظهار الإيمان في ذلك الوقت؛ لأنها حال زوال التكليف الشرعي، قال الله تعالى عن قصة فرعون: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر، فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدْواً، حتى إذا أدركه الغرق، قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين، آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} [يونس:٩٠/ ١٠ - ٩١]. ويؤكد ذلك آية أخرى في موضوعها وهي: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت، قال: إني تبت الآن، ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً} [النساء:١٨/ ٤].


(١) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث أنس بن مالك، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
(٢) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٣) تفسير ابن كثير: ٤٦٣/ ١، تفسير القرطبي: ٩٢/ ٥، تفسير الكشاف: ٣٨٦/ ١.
(٤) ذكره الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث عبد الله بن عمر.
(٥) تفسير القرطبي: ٩٢/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>