للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو آذى غيره بغير حق بقول أو فعل أو إشارة. فقد يكون التعزير حقاً لله أو حقاً للفرد. ويشترك فيه الحقان وأحدهما غالب على الآخر.

فإن كان التعزير حقاً خالصاً للفرد أو الغالب فيه حقه كالشتم والسب والمواثبة والضرب بغير حق والتزوير وشهادة الزور ونحوها مما يتوقف على الادعاء الشخصي، فلا يسقط بالتوبة كما لا يسقط بعفو القاضي، إلا أن يصفح المعتدى عليه.

وأما إن كان التعزير حقاً لله تعالى كتعزير مفطر رمضان عمداً بدون عذر، وتارك الصلاة وأكل الربا ظاهراً، ومن يحضر موائد الخمر ومجالس الفسق أو كان حق الله فيه غالباً كمباشرة امرأة أجنبية فيما دون الجماع كتقبيل وعناق وخلوة بها ونحو ذلك، فيسقط بالتوبة، كما يسقط بعفو القاضي. وهذا التفصيل في الواقع هو رأي الحنفية والشافعية.

ولكن وردت عبارات لبعض الفقهاء يفهم منها بعمومها أن التعزير مطلقاً يسقط بالتوبة باتفاق الفقهاء.

قال القرافي: إن التعزير يسقط بالتوبة، ما علمت في ذلك خلافاً (١).

وقال في البحر الزخار: يسقط التعزير بالتوبة، ويقرب أنه إجماع المسلمين الآن لكثرة الإساءات فيما بينهم، ولم يعلم أن أحداً طلب تعزير من اعتذر إليه واستغفر، ولا من أقر بأنه قارف ذنباً خفيفاً، ثم تاب منه، ولاستلزامه تعزير أكثر الفضلاء، إذ لم يخل أكثرهم عن مقارفة ذنب وظهوره في فعل أو قول (٢). ولعل المراد من هذه العبارات التعزير الواجب حقاً لله تعالى، لأن الخلاف بين التعزير والحد هو في حقوق الله تعالى.


(١) الفروق: ١٨١/ ٤.
(٢) البحر الزخار ملخصاً: ٢١١/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>