للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حد فهو من المعتدين» (١)، ولأن العقوبة على قدر الإجرام والمعصية، والمعاصي المنصوص على حدودها أعظم من غيرها، فلا يجوز أن يبلغ في أهون الأموين عقوبة أعظمهما.

وقال أبو يوسف: لا يبلغ الحد ثمانين، وينقص منه خمسة أسواط؛ لأنه حمل الحد المذكور في الحديث السابق: «من بلغ حداً ... » على الأحرار؛ لأن الأحرار هم المقصودون في الخطاب، وغيرهم ملحق بهم (٢). وقد أخذ برأي الإمام علي في أنه ينقص عن الثمانين جلدة خمسة أسواط.

وقال المالكية: يضرب الإمام في التعزير أي عدد أداه إليه اجتهاده، حتى ولو تجاوز أعلى الحدود، فيجوز العزير بمثل الحدود وأقل وأكثر على حسب الاجتهاد؛ لما روي أن معن بن أوس عمل خاتماً على نقش خاتم بيت المال، ثم جاء به صاحب بيت المال، فأخذ منه مالاً، فبلغ عمر رضي الله عنه، فضربه مائة وحبسه، فكلم فيه، فضربه مائة أخرى، فكلم فيه من بعد، فضربه ونفاه (٣). وكان جلد عمر لمعن على عدة جنايات: وهي تزويره الخاتم، وأخذ المال من بيت المال، وفتحه باب الاحتيال لغيره من الناس. ويؤيد رأي المالكية أيضاً ما روي عن الإمام علي رضي الله عنه أنه جلد من وجد مع امرأة من غير زنا مائة سوط إلا سوطين.


(١) رواه البيهقي عن النعمان بن بشير، وقال: المحفوظ المرسل، ورواه ابن ناجيه في فوائده، ورواه محمد بن الحسن مرسلاً، ورواه الطبراني بلفظ: «من جلد حداً ... » قال الهيثمي: وفيه محمد بن الحسين القصاص والوليد بن عثمان خال مسعر، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات (راجع نصب الراية: ٣٥٤/ ٣، مجمع الزوائد: ٢٨١/ ٦).
(٢) البدائع، المرجع السابق: ص ٦٤، فتح القدير: ٢١٤/ ٤، تبيين الحقائق: ٢٠٩/ ٣، حاشية ابن عابدين: ١٩٠/ ٣، ١٩٨ ومابعدها، ٢٠٤ وما بعدها، تكملة المجموع: ٣٥٧/ ١٨، المهذب: ٢٨٨/ ٢، المغني: ٣٢٤/ ٨، غاية المنتهى: ٣٣٣/ ٣، ٣٣٥، السياسة الشرعية لابن تيمية: ص ١١٢، الطرق الحكمية: ص ٢٦٥، نهاية المحتاج: ١٧٥/ ٧، مغني المحتاج: ١٩٣/ ٤.
(٣) حاشية الدسوقي: ٣٥٥/ ٤، القوانين الفقهية: ص ٣٥٨، وقصة معن ذكرها ابن قدامة في المغني: ٣٢٥/ ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>