للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضمن من تلف بها كالحد، ولأن الإمام مأمور بالحد والتعزير، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة (١).

وقال الشافعي: لا يجب على الإمام ضمان موت المحدود؛ لأن الحق قتله، سواء في ذلك الجلد والقطع، وسواء جلده في حر وبرد مفرطين أم لا، وسواء أكان الجلد في مرض يرجى برؤه أم لا، إلا أن تكون المرأة حاملاً، فيموت الجنين، فيجب الضمان؛ لأنه مضمون فلا يسقط ضمانه بجناية غيره. ويجب ضمان موت المعزَّر، لما روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: «ما من رجل أقمت عليه حداً، فمات، فأجد في نفسي أنه لا دية عليه، إلا شارب الخمر، فإنه لو مات وديته؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يسنَّه» (٢)، أي لم يسن مقداراً معيناً في جلد شارب الخمر، وإنما فعل أفعالاً مختلفة يجوز جميعها، ومنها: أنه عليه السلام حد في الخمر أربعين كما روى علي نفسه (٣)، وهذا أمر متفق عليه، والخلاف بين الفقهاء إنما هو في الزيادة على الأربعين، فليس المراد إذن من حديث علي أن الشخص مات من الحد؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم حد في الخمر، كما ذكرت، فثبت أنه أراد بقوله: «لو مات وديته» أي من


(١) فتح القدير: ٢١٧/ ٤، تبيين الحقائق: ٢١١/ ٣، مجمع الضمانات: ص ٢٠١، حاشية ابن عابدين: ٢٠٨/ ٣، حاشية الدسوقي: ٣٥٥/ ٤، المغني: ٣١٠/ ٨ وما بعدها.
(٢) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه وفي روايتهما قال: «لا أدي ـ أي لا أعطي ديته ـ أو ما كنت أدي من أقمت عليه الحد إلا شارب الخمر، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لم يسن فيه شيئاً، وإنما هو شيء قلناه نحن» ومعنى «لم يسنه»: لم يقدره ويوقته بلفظه ونطقه، ففيه دليل على أن الخمر لم يكن فيه حد محدود من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فهو من باب التعزيرات، فإن مات ضمنه الإمام. (راجع جامع الأصول: ٣٣٧/ ٤، نصب الراية: ٣٥٢/ ٣، سبل السلام: ٣٨/ ٤، نيل الأوطار: ١٤٣/ ٧).
(٣) رواه مسلم في قصة الوليد بن عقبة الذي شهد عليه رجل أنه رآه يتقيأ الخمر، فأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم بجلده، كما روى حصين بن المنذر، وعلي يعد حتى بلغ أربعين، ثم قال: «جلد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلى» (راجع التلخيص الحبير: ص ٣٦٠، سبل السلام: ٣٠/ ٤، نيل الأوطار: ١٣٨/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>