للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعدد الأولياء فبادر أحدهم، فقتل الجاني قبل إبداء الآخرين رأيهم، سقط حق الباقين في القصاص ولا دية لهم، ويترتب على اعتبار الدية بدلاً من القصاص أنه لا يجوز للقاضي أن يجمع بين عقوبة وبدلها جزاء عن فعل واحد.

وقال الحنابلة عملاً برواية أخرى عن أحمد هي الراجحة عندهم (١)، وفي قول عند الشافعية: ليس القصاص واجباً عيناً، وإنما الواجب بقتل العمد أحد شيئين: القصاص أو الدية. وللولي خيار التعيين: إن شاء استوفى القصاص، وإن شاء أخذ الدية من غير توقف على رضا القاتل. ويعتبر التعزير بدلاً عن الدية. ودليلهم قوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء، فاتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان} [البقرة:١٧٨/ ٢] ومعناه فليتتبع القاتل، وليؤد القاتل الدية، فالله أوجب الاتباع بمجرد العفو، ولو أوجب العمد القصاص عيناً، لم تجب الدية عند العفو المطلق. ثم إن الدية أحد بدلي النفس، فكانت بدلاً عنها، لا عن بدلها كالقصاص. وأما حديث «من قتل عمداً فهو قود» فالمراد به وجوب القود. ويخالف القتل سائر المتلفات؛ لأن بدلها لا يختلف بالقصد وعدمه، والقتل بخلافه.

وأضاف الحنابلة أدلة أخرى، منها قول ابن عباس: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم يكن فيهم الدية، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة:١٧٨/ ٢] (٢) وعن أبي هريرة مرفوعاً: «من قتل له قتيل، فهو بخير النظرين: إما أن يُودِي (٣)، وإما أن يقاد» (٤).


(١) كشاف القناع: ٦٣٣/ ٥.
(٢) رواه البخاري.
(٣) وديت القتيل: إذا أعطيت ديته. واتديته: أخذت ديته.
(٤) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>