للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نشهد ولم نر؟ قال: فتبرِّئكم يهود بخمسين يميناً (١)، فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صلّى الله عليه وسلم من عنده» (٢).

وفي لفظ آخر: «أتحلفون خمسين يميناً، وتستحقون دم صاحبكم» أي يقتص لكم من قاتله.

والحكمة من تشريع القسامة: هي أنها شرعت لصيانة الدماء وعدم إهدارها، حتى لا يهدر (أو يطل) دم في الإسلام، وكيلا يفلت مجرم من العقاب، قال علي لعمر فيمن مات من زحام يوم الجمعة أو في الطواف: «يا أمير المؤمنين، لا يُطلُّ دم امرئ مسلم، إن علمت قاتله، وإلا فأعطه ديته من بيت المال».

وأما إلزام عصبة أو عاقلة المتهم بالقتل بالقسامة والدية عند الحنفية (٣) فبسبب وجود التقصير منهم في الحفاظ على حياة القتيل قبل قتله في الموضع الذي وجد فيه، ولعدم نصرته أو حمايته من اعتداء الجاني عليه، كما في القتل خطأ، كأنهم شُرطة، وبما أن حفظ المحلة عليهم ونفع ولاية التصرف في المحلة عائد إليهم، فهم مسؤولون، والخراج بالضمان على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام (٤).

ويلاحظ أن إيجاب الدية بعد القسامة ليس هو الهدف الأصلي من القسامة وإنما الغرض الحقيقي منها: هو إظهار جريمة القتل، وتطبيق القصاص عندما يحس الحالفون بخطورة اليمين، ويتحرجون من حلف اليمين الكاذبة، فيقرون بالقتل، فإذا حلفوا برئوا من القصاص، وثبتت الدية لئلا يهدر دم القتيل، وعلى هذا فإن القسامة لم تشرع لإيجاب الدية إذا نكلوا عن الأيمان.


(١) أي يخلصونكم عن الأيمان بأن يحلفوا، فإذا حلفوا انتهت الخصومة.
(٢) نيل الأوطار: ٣٤/ ٧. فعقله النبي صلّى الله عليه وسلم أي وداه بمئة من إبل الصدقة كما جاء في لفظ لأحمد.
(٣) البدائع: /٧ ٢٩٠، اللباب شرح الكتاب: ١٧٢/ ٣.
(٤) رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة عن عائشة وضعفه البخاري وصححه الترمذي وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>