للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا رفعت الدعوى إلى القاضي، وثبت الحق عنده على أحد المتخاصمين، وطلب صاحب الحق حبس غريمه، لم يعجل القاضي بحبسه، وإنما يعمل بما يأتي (١):

١ً - إذا ثبت لدى القاضي أن المدين معسر أو معدم لا مال له: لا يحكم بحبسه في الدين، باتفاق الفقهاء لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنَظِرة إلى ميسرة} [البقرة:٢٨٠/ ٢] إذ لا فائدة من حبسه، فيكون ظلماً، وإنما يترك ليسعى في الأرض ويكتسب، فيتمكن من سداد دينه كله أو بعضه.

٢ً - إذا كان مشكوكاً في أمر المدين، أهو معسر أم موسر، جاز حبسه عند جمهور الفقهاء حبس تلوم واختبار، إذا كان الدين من ديون المعاوضة (٢) كثمن مبيع ودين قرض، وطلب غرماؤه حبسه، وادعوا أن له مالاً يخفيه أو ينكره. وينتهي هذا الحبس بالإفراج عن المدين إذا ثبت عسره، كالحالة السابقة، إذ لا حبس للمدين المعدم، ويكون حبسه حينئذ ظلماً، ولا يحول القاضي بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس، ولهم حق ملازمته.

٣ً - إذا ثبت يسار المدين بالأدلة المعروفة، لم يأمر القاضي فوراً بحبسه، وإنما يأمره بأداء المال المستحق عليه لصاحبه؛ لأن الحبس جزاء المماطلة، فلا بد من ظهورها، إذا ثبت الحق بإقراره. أما إن ثبت الحق بالبينة، وامتنع من الوفاء بالدين المستحق، أو تأخر عن الدفع من غير ضرورة، جاز حبسه شهرين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل بحسب تقدير القاضي لأحوال الأشخاص.


(١) اللباب شرح الكتاب: ٨٢/ ٤، الطرق الحكمية: ص ١٠١ - ١٠٦.
(٢) أما إذا كان الدين من غير معاوضة كأرش الجناية ونفقة الأقارب، فلا يحبس المدين بسببه إذا ادعى الإعسار. ولم يجز ابن القيم هذه التفرقة ورفض الحبس في الحالتين، حتى يثبت موجبه، ويظهر أن هذا الرأي هو الأرجح تحقيقاً للعدالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>