للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الجمهور (مالك والشافعي وأحمد): فيرون أن الشريعة تطبق على كل جريمة في أي مكان ارتكبت، سواء في حدود البلاد الإسلامية أو خارجها، وسواء أكان الجاني مسلماً أم ذمياً أم مستأمناً؛ لأن المسلم ملزم بأحكام الشريعة في أي مكان، والذمي والمستأمن ملزمان بتلك الأحكام الشرعية بمقتضى العهد والأمان. وقد أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعقوبة سكران يوم حنين في بلاد المشركين، وروى أبو داود في المراسيل عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «وأقيموا الحدود في الحضر والسفر على القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لائم».

وهذا الحكم شامل في رأي الجمهور كل حرام كالتعامل بالربا وغيره من المحرمات كالقمار والرشوة، وما أروع كلمة الإمام الشافعي في ذلك، حيث قال في كتابه الأم (١٦٥/ ٤): «ومما يوافق التنزيل والسنة، ويعقله المسلمون، ويجتمعون عليه: أن الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر، والحرام في دار الإسلام حرام في بلاد الكفر، فمن أصاب حراماً، فقد حده الله على ما شاء منه، ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئاً». وهذا واضح في أن الدار أو المكان لا تغير صفة التحريم للأفعال، فلا تمنع العقوبة المقررة جزاء على ارتكاب الفعل الحرام.

وهذه النظرية ـ نظرية الجمهور - هي السائدة اليوم في القوانين الوضعية، إلا أن الفرق بينهما أن القانونيين يجيزون للدولة تطبيق العقاب على ما ترى فيه مصلحة بسبب ارتكاب الجرائم التي تقع في خارج أراضيها، وتطبق العقوبة الصارمة على الجرائم التي تمس مصلحة أساسية لها، وهي ما سبق بيانه من جرائم أمن الدولة، وتزييف العملة، وتزوير أختام الدولة الرسمية.

أما الشرعيون فيوجبون تطبيق عقوبات الحدود دون إعفاء، ويجيزون لولي الأمر في التعزيرات إعفاء ما ترى فيه مصلحة في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>