للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدعي، وقوي جانبه، فتشرع اليمين في حقه، كالمدعى عليه قبل نكوله، وكالمدعي إذا شهد له شاهد واحد، كما سأبين، وقال تعالى: {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} [المائدة:١٠٨/ ٥] أي بعد الامتناع من الأيمان الواجبة، فدل على نقل الأيمان من جهة إلى جهة.

ولا يقضى عند الجمهور بالنكول: لأن النكول كما يحتمل أن يكون امتناعاً وتحرزاً عن اليمين الكاذبة، يحتمل أن يكون تورعاً عن اليمين الصادقة، فلا يقضى للمدعي مع تردد المدعى عليه، إذ لا يتعين بنكوله صدق المدعي، فلا يجوز الحكم له من غير دليل، فإذا حلف المدعي كانت يمينه دليلاً عند عدم ما هو أقوى منها (١).

وقال الحنفية، والحنابلة في المشهور عندهم: لا ترد اليمين على المدعي، وإنما يقضي القاضي على المدعى عليه بالنكول عن اليمين، وبإلزامه بما ادعى عليه المدعي. والنكول إما أن يكون حقيقة كقوله: (لا أحلف) أو حكماً كأن سكت، دون أن يكون هناك عارض كخرس وطرش.

وتعرض اليمين على المدعى عليه مرة واحدة. ولكن لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبداء العذر: ينبغي للقاضي تكرار عرض اليمين ثلاث مرات بأن يقول له: إني أعرض عليك اليمين ثلاثاً، فإن حلفت فبها، وإلا قضيت عليك بما ادعاه خصمك.

استدلوا بقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» فقد جعل جنس الأيمان على المنكرين، كما جعل جنس البينة على المدعي. وفي لفظ


(١) راجع مغني المحتاج: ١٥٠/ ٤، ٤٤٤، ٤٤٧ وما بعدها، المهذب: ٣٠١/ ٢، ٣١٨، بداية المجتهد: ٤٥٤/ ٢، الشرح الكبير للدردير: ١٤٦/ ٤ وما بعدها، المغني: ٢٣٥/ ٩، الميزان: ١٩٦/ ٢، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: ص ١١٦، الشرح الصغير: ٦٤/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>