الاستثناء أصلاً. ثم إنه لا يعرف قدر الثوب من الدراهم، فيكون المستثنى مجهولاً، وجهالة المستثنى توجب جهالة المستثنى منه، فلا يصح الاستثناء.
وأما إن كان المستثنى مما يثبت ديناً في الذمة وهو المكيل والموزون والعددي المتقارب كالجوز والبيض، بأن قال:(لفلان علي مئة درهم إلا ديناراً أو إلا قفيز حنطة) صح الاستثناء عند الشيخين من الحنفية، ويلزمه مئة درهم إلا قدر قيمة ما استثناه من الدينار أو القفيز؛ لأن المجانسة بين المستثنى والمستثنى منه شرط عندهما، والمجانسة بين الدينار والدرهم متحققة إذ أن كلاً منهما من جنس الأثمان التي تقدر بها قيم الأشياء، والمجانسة بين الدراهم والمكيل والموزون ونحوها متحققة أيضاً؛ لأن كلاً منها يمكن أن يثبت ديناً في الذمة حالاً مؤجلاً، وذلك إذا وصف المكيل أو الموزون، ويكفي تحقق المجانسة بهذا المعنى.
وقال محمد وزفر والحنابلة، لا يصح الاستثناء في الإقرار من غير الجنس مطلقاً، سواء أكان المستثنى ثوباً أم مكيلاً أم موزوناً؛ لأن معنى الاستثناء ـ وهو (إخراج بعض ما تناوله المستثنى منه على معنى أنه لولا الاستثناء لكان داخلاً تحت اللفظ) ـ لا يتصور في خلاف الجنس، فغير الجنس المذكور ليس بداخل في الكلام، فلا يكون استثناء.
وقال مالك والشافعي: يصح الاستثناء من غير جنس المستثنى منه، مثل (لفلان علي ألف من الدراهم إلا ثوباً) يعني إلا قدر قيمة ثوب؛ لأنه ورد في القرآن الكريم ولغة العرب، قال الله تعالى:{وإذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم، فسجدوا إلا إبليس كان من الجن}[الكهف:١٨/ ٥٠] وقال الله تعالى: {فإنهم عدو لي إلا رب العالمين}[الشعراء:٧٧/ ٢٦] وقال سبحانه: {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن}[النساء:١٥٧/ ٤] وقال الله عز وجل: {لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً}[مريم:٦٢/ ١٩]