للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن المالكية (١): أثبتوا شرب الخمر بالرائحة، والزنا بالحمل، ووافقهم ابن القيم في إثبات الزنا بالحمل، وفصل الحنابلة (٢) فقالوا: تحد الحامل بالزنا، وزوجها بعيد عنها إذا لم تدّع شبهة، ولا يثبت الزنا بحمل المرأة وهي خلية لا زوج لها.

قال ابن القيم (٣): نظر جمهور الفقهاء كمالك وأحمد وأبي حنيفة إلى القرائن الظاهرة والظن الغالب الملتحق بالقطع في اختصاص كل واحد منها بما يصلح له، ورأوا أن الدعوى تترجح بما هو دون ذلك بكثير، كاليد والبراءة والنكول، واليمين المردودة، والشاهد واليمين، والرجل والمرأتين، فيثير ذلك ظناً تترجح به الدعوى. ومعلوم أن الظن الحاصل ههنا أقوى بمراتب كثيرة من الظن الحاصل بتلك الأشياء، وهذا مما لا يمكن جحده ودفعه.

وقد نصب الله سبحانه على الحق الموجود والمشروع علامات وأمارات تدل عليه وتبينه. ونصب على الإيمان والنفاق علامات وأدلة. واعتبر النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده العلامات في الأحكام، وجعلوها مبينة لها، كما اعتبر العلامات في اللقطة، وجعل صفة الواصف لها آية وعلامة على صدقه، وأنها له.

وجعل الصحابة الحبل علامة وآية على الزنا، فحدوا به المرأة، وإن لم تقر، ولم يشهد عليها أربعة، بل جعلوا الحبل أصدق من الشهادة، وجعلوا رائحة الخمر وقيئه لها آية وعلامة على شربها، بمنزلة الإقرار والشاهدين.

وجعل النبي صلّى الله عليه وسلم نحر كفار قريش يوم بدر عشر جزائر أوتسعاً، آية وعلامة


(١) القوانين الفقهية: ص ٣٥٦.
(٢) مطالب أولي النهى: ١٩٣/ ٦.
(٣) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: ص ٩٧ وما بعدها، ٢١٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>