للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقر المسلمون هذه البيعة في المسجد في اليوم التالي، مما ينبئ أنهم مجمعون على ضرورة وجود إمام أو خليفة.

قال الإيجي في المواقف وشارحه الجرجاني: «إنه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول، بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم على امتناع خلو الوقت من إمام، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته المشهورة، حين وفاته عليه السلام: ألا إن محمداً قد مات، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به، فبادر الكل إلى قبوله، وتركوا له أهم الأشياء، وهو دفن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولم

يزل الناس على ذلك، في كل عصر إلى زماننا هذا، من نصب إمام متبع في كل عصر» (١) وواضح من قول العلماء أن الإجماع منصب على ضرورة وجود الحاكم، وليس المهم شكل الحكم، من خلافة أو غيرها، مادام الشرع هو المطبق (٢).

والإجماع حجة قطعية يقينية على وجوب الإمامة بعد الرسول صلّى الله عليه وسلم وفي كل عصر، إذ لا يصلح الناس فوضى لا قادة ولا رؤساء لهم في كل زمان.

ويؤكد هذا الإجماع أو يعد مستنداً له إشارات في القرآن والحديث، قال الماوردي (٣): جاء الشرع بتفويض الأمور إلى ولي في الدين، قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} (٤)


(١) المواقف وشرحه: ص ٦٠٣ وما بعدها، وانظر نهاية الإقدام للشهرستاني: ص ٤٨٩.
(٢) شكك الأستاذ علي عبد الرزاق في دعوى الإجماع هذه في كتابه الشاذ: «الإسلام وأصول الحكم»: ص ٢١ وما بعدها، متعللاً بعدم وجود دراسات علمية موسعة للخلافة عند السابقين، وأن كل الحكومات الإسلامية قامت على القهر والغلبةما عدا الخلافة الراشدية، والحقيقية أنه بالرغم من أن تأليف هذا الكتاب كان لظروف معينة اقتضته وهي التنديد بالخلافة العثمانية فهو إن أنكر صورة الحكم، فلا يستطيع إنكار ما تفرضه البداهة وطبيعة الأشياء من ضرورة إقامة دولة، وهو ماتم عليه الإجماع بالذات، لا أن الإجماع أمر لا بد منه لنصب كل حاكم، فالأغلبية فيه تكفي.
(٣) الأحكا م السلطانية: ص ٣.
(٤) أي أن طاعة أولي الأمر تقتضي وجوب نصبهم وإقامتهم. [النساء:٥٩/ ٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>