للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت إذن الحكومة النبوية في المدينة جديرة بإطلاق مصطلح الدولة الإسلامية عليها، ويؤكد ذلك ما قام به النبي صلّى الله عليه وسلم من إصلاحات اجتماعية وسياسية عقب الهجرة مباشرة، فجمع بين المهاجرين والأنصار وآخى بينهم، ووادع يهود المدينة، وكانت هذه المعاهدة بين المسلمين وغيرهم بمثابة الدستور الذي نظم شؤون المسلمين وعلاقاتهم بغيرهم داخل المدينة وخارجها (١) على نحو أشبه ما يسمى اليوم بالميثاق الوطني.

وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يمارس شؤون السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، فكان عن طريق الوحي والاجتهاد الخاص يضع قواعد السلوك للناس في حياتهم الاجتماعية، ويحكم بين الخصوم، ويجبي الصدقات، ويوزع الغنائم، ويولي الأمراء على القبائل والمدن ويحدد لهم الاختصاصات، ويرسل القضاة إلى الأمصار، ويقود المعارك، ويعقد عقود الصلح أو الموادعة.

أنشأ النبي صلّى الله عليه وسلم بهذه التصرفات تنظيماً أو جهازاً إدارياً بالتدريج توضحت معالمه واستكملت عناصر بنيانه قبل وفاته بسنتين، حيث أرسل الأمراء والعمال إلى البلاد التي آمنت برسالته، وكان في كل وقت شديد الحرص على مشاورة أصحابه، ويقوم أحد كتاب الوحي عنده بالكتابة إلى الملوك والأمراء، ويتخصص بعض الكتاب لحوائج الناس أو لمنازعاتهم، أو لعلاقات القبائل وتوزيع الحقوق فيما بينهما ونحو ذلك مما يثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن رسولاً فحسب، وإنما كان كذلك حاكماً ورئيساً لدولة (٢).


(١) سيرة ابن هشام، المرجع السابق: ص ٥٠١ وما بعدها.
(٢) عبقرية الإسلام في أصول الحكم للدكتور منير العجلاني: ص ٩٠ - ٩٨، مبادئ نظام الحكم في الإسلام للدكتور عبد الحميد متولي: ص ٤٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>