للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الفقهاء أيضاً: (بيت المال وارث من لا وارث له) (١) أي أن هذا حق ثبت له، وبديهي أن بيت المال من أخص حقوق الدولة، بل ومن أهم مقومات وجودها. ومن الأحكام الفقهية: لبيت المال حق الأخذ بالشفعة بسبب الشركة في ملكية العقار المبيع إن وجد في ذلك المصلحة له (٢).

٢/ ٣٥ - وأما بالنسبة لالتزامات الدولة، فقال عنها فقهاؤنا: تظل قائمة، ففي بحثهم المعاهدات مثلاً قالوا: تبقى المعاهدة نافذة يلزمنا الوفاء بها حتى تنقضي مدتها، أو ينقضها العدو، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (٣) [المائدة ١/ ٥]، وقوله صلّى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك» (٤)، فلو مات الإمام الذي عقد الهدنة أو عزل لم ينتقض العهد، وعلى من بعده الوفاء به، لأن العقد السابق كان باجتهاد، فلم يجز نقضه باجتهاد آخر، كما لم يجز للحاكم نقض أحكام من قبله باجتهاد جديد، بدليل إتمام علي كرم الله وجهه ما عقده لأهل نجران (٥). وهذا يدل على أن الدولة شخص اعتباري يمثله الإمام ويتعاقد باسمه.

ويشير إلى ذلك أيضاً أن أمان الواحد من المسلمين رجلاً أو امرأة يسري على المسلمين جميعاً، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم،


(١) يترك مال من لا وارث له في بيت المال باتفاق المذاهب الأربعة، غير أن الحنفية والحنابلة يقولون: إن هذا ليس بطريق الإرث، وإنما هو من باب رعاية المصلحة على أنه مال ضائع فيصرف في سبيل المصالح العامة. وقال متأخرو المالكية، والراجح عند الشافعية: يكون بيت المال وارثاً بشرط كونه منتظماً (شرح السراجية: ص ١١، نظام المواريث للشيخ عبد العظيم فياض: ص ٢٠، ط الثانية).
(٢) أسنى المطالب: ٢٦٥/ ٢، منْح الجليل للشيخ عليش: ٥٨٤/ ٣.
(٣) المائدة: ١.
(٤) رواه الحاكم عن أنس وعائشة (الفتح الكبير) ورواه الترمذي عن عمرو بن عوف «المسلمون على شروطهم .. » (نيل الأوطار: ٢٥٤/ ٥).
(٥) الدر المختار: ٢٥/ ٣، البدائع: ١٦/ ٧، القوانين الفقهية: ص ١٥٥، مغني المحتاج: ٢٦١/ ٤، المغني: ٤٦٢/ ٨، البحر الزخار: ٤٥٠/ ٥ و ٤٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>