وبهذا وحده يتحقق للمسلمين العزة والمنعة والتفوق والسيادة، وترتد آثاره الحميدة على البلاد بالخير والسعادة وتحقيق الأماني والآمال المرجوة وتوفير سبل الحياة الحرة الكريمة لكل بلد. وبغير ذلك تسوء الأحوال وتؤول الأوضاع إلى الضياع والوهن والتخلف الذي نعاني الآن من ويلاته بسبب التقاطع والتدابر والتمزق والتفرق.
ومن المعروف أن الإسلام يدعو المسلمين إلى أن يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وأن الأواصر القائمة بينهم أعظم حافز على التضامن والتكاتف، قال تعالى:{وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}[المائدة:٢/ ٥]{واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}[آل عمران:١٠٣/ ٣]{ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}[الأنفال:٤٦/ ٨].
فبالتعاون يتمكن المسلمون في العالم من تجاوز الحدود والقيود الضيقة والعصبيات المغلقة المورثة للمنازعات والخلافات الجزئية؛ لأن رابطة الأخوة القائمة بينهم أقوى وأصلب من العلاقات الجنسية (التجنس) ومضايقات العنصرية، ولأن مصيرهم وأهدافهم في الحقيقة واحد.
٧٧ - وهذا في الدرجة الأولى من وظائف الدولة، لأن الأوامر السابقة في القرآن الموجبة للتعاون تخاطب ولاة الأمر والأفراد على حد سواء (١)، وما يتحقق عن طريق الدولة أهم وألزم لتحصيل المقاصد وتأمين المصالح.
(١) هذا هو المفهوم من عموم الخطاب فيها، فآية المائدة مثلاً صدرت بقوله سبحانه: {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام} [المائدة:٢/ ٥] وذلك موجه لرسول الله صلّى الله عليه وسلم القائد وللمؤمنين، ثم قال سبحانه: {وتعاونوا على البر ... } [المائدة:٢/ ٥] أي أن الله يأمر المؤمنين ولاسيما أصحاب السلطة بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم (تفسير ابن كثير: ٦/ ٢).