للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونبطل ما لا نقر، والأصح عند الحنفية أن كل نكاح حرم لحرمة المحل كمحارم، يقع جائزاً. واتفق هؤلاء الجمهور على أنه لا يعتبر فيه صفة عقدهم وكيفيته، ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة الإيجاب والقبول، وأشباه ذلك، فيجوز في حقهم ما اعتقدوه، ويقرون عليه بعد الإسلام.

وينبني على رأي الجمهور أن تثبت أحكام الزواج المقررة كالمسلمين من وجوب النفقة ووقوع الطلاق ونحوهما من عدة ونسب وتوارث بزواج صحيح، وحرمة مطلقة ثلاثاً. ويجوز نكاح أهل الذمة بعضهم لبعض وإن اختلفت شرائعهم؛ لأن الكفر كله ملة واحدة.

ودليلهم قوله عز وجل: {وقالت امرأة فرعون} [القصص:٩/ ٢٨] وقوله سبحانه: {وامرأته حمَّالة الحطب} [المسد:٤/ ١١١] ولو كانت أنكحتهم فاسدة، لم تكن امرأته حقيقة، ولأن النكاح سنة آدم عليه السلام، فهم على شريعته، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «ولدت من

نكاح، لا من سفاح» (١) أي لا من زنا، والمراد به نفي ما كانت عليه الجاهلية من أن المرأة تسافح رجلاً مدة ثم يتزوجها، فإنه صلّى الله عليه وسلم سمى ما وجد قبل الإسلام من أنكحة الجاهلية نكاحاً، ولو قلنا بفساد أنكحتهم لأدى إلى أمر قبيح هو الطعن في نسب كثر من الأنبياء.

ولحديث غيلان الثقفي وغيره ممن أسلم وتحته عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره صلّى الله عليه وسلم باختيار أربع منهن، ومفارقة الباقي (٢)، ولم يسأل عن شرائط النكاح، فلا يجب البحث عن شرائط أنكحتهم، فإنه صلّى الله عليه وسلم أقرهم عليها، وهو لا يقر أحداً على باطل.


(١) رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم وابن عساكر عن علي بلفظ «خرجت من النكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي» تكلم في راو من رواته وبقية رجاله ثقات (مجمع الزوائد: ٢١٤/ ٨).
(٢) رواه أحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عمر (نيل الأوطار: ١٥٩/ ٦ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>