وقال الحنابلة: يجب على الزوج أن يطأ الزوجة في كل أربعة أشهر مرة، إن لم يكن عذر؛ لأنه لو لم يكن واجباً لم يصر باليمين (الإيلاء) على تركه واجباً، كسائر ما لا يجب، ولأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين، ودفع الضرر عنهما، وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة من المرأة كإفضائه إلى دفعه عن الرجل، فيكون الوطء حقاً لهما جميعاً، فإن أبى الوطء بعد انقضاء الأربعة الأشهر، أو أبى البيتوتة في ليلة من أربع ليال للمرأة الحرة، بلا عذر لأحد الزوجين، فرِّق بينهما كما يفرق بسبب الإيلاء، وكما لو منع النفقة، ولو قبل الدخول، أي يفرق بينهما إن لم يطأ بعد الزفاف لمدة أربعة أشهر، وكما لو ظاهر من زوجته، ولم يكفر عن الظهار، بل إن الفسخ لتعذر الوطء أولى من الفسخ لتعذر النفقة.
لكن إن سافر الزوج عن المرأة لعذر وحاجة، سقط حقها من القسم والوطء وإن طال سفره للعذر. وإن لم يكن للمسافر عذر مانع من الرجوع وغاب أكثر من ستة أشهر، فطلبت قدومه، لزمه القدوم، لما روى أبو حفص بإسناده عن يزيد بن أسلم قال: بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة، فمرَّ بامرأة وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسودَّ جانبه ..... ..... وطال علي أن لا خليل ألاعبه
فو الله لولا خشية الله والحيا ..... ..... لحرك من هذا السرير جوانبُه
فسأل عنها، فقيل له: زوجها غائب في سبيل الله، فأرسل إليها امرأة تكون معها، وبعث إلى زوجها، فأقفله، ثم دخل على حفصة فقال: بُنَيَّة، كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله، مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين، ما سألتك، فقالت: خمسة أشهر، ستة أشهر، فوقَّت للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهراً، ويقيمون أربعة أشهر، ويرجعون في شهر.